حوارُ النجوم.. حكاياتٌ من التراث الروسي

حوارُ النجوم.. حكاياتٌ من التراث الروسي
        

رسم: محمود الهندي

          - كنا فيما مضى كتلةً واحدةً، وكان لنا وزن في مجتمعِ الفضاءِ الخارجيِ، وكان المدارُ نظيفاً ومنظماً! وكان جيرانُنا يحترموننا.

          - مَن أراد أولاً أن يستقل؟ ومن بدأ الحديث عن حقوقِه في الكونِ؟ أليس أنت..؟

          - أنا؟ هذا افتراء! أنت الذي كنت غير راضٍ عن النظامِ الشمسي! وبدأت بالكلامِ عن استبداد «الأخت الكبرى» الشمس!

          - وما في ذلك! ذلك، الذي على يمينك غيّر حتى محور الانحناء، ليكون باتجاه المريخ!

          - هذه أكاذيب! أنا مع السلام في الفضاء الخارجي! ولكن أحدَهم يثرثرُ عن أصالةِ الفضاءِ الخارجي وعن «مسارِه الخاص».

          - ومَن هذا؟

          - أنت! لقد ضللت الطريق تماماً! رؤيتك وأنت تجول بلا غرض في المدارِ شيء مريع، وأيضاً اهتمامك بكيفية بناء الكونِ!

          - من المستحيل العيش معكم بسلامٍ، اهرب إلى مدارٍ آخرٍ إذا أردت.!

          هكذا تتشاجر الكويكبات - حطام الكوكب العظيم. 

  • عن الحب

          - ياللعجب! - قالها بحسدٍ المذنب الطائر إلى الأرضِ، كم أن هذا القمر مخلص لك! على مدى الحياة أنتما معاً في حبٍ ووئامٍ. أما أنا فعندي ذيل كامل من المعجبين، ولا أحد يمكن أن تقع في غرامِهِ: كلهم حطام وكلهم يتأخرون! لماذا؟

          - لأن في قلبي لهيباً، أجابت الأرضُ-، وفي قلبك جليداً.

  • الانسجام

          سخر المريخُ من المشتري قائلاً:

          - وما لك تجول بلا هدف حول الشمس؟ هي تشعُّ في أفضلِ مجتمع في الكونِ، وأنت؟ دائماً تكون على الأطرافِ، في مدارٍ بعيدٍ حيث لا أحد يستطيع أن يراكَ!

          قال المشتري:

          - أنا.. من المفهومِ أنني أتواجد هنا بسبب الزهرة. ولكن أنت؟ أنت كالنجمةِ: كبيرٌ ونشطٌ بما فيه الكفايةِ. اترك هذه الشمس، وسوف ترى كيف أن كواكب جميلة أخرى ستدور حولك في منظرٍ رائعٍ!

          ردَّ المشتري: من الداخلِ أنا ساخنٌ، أما من الخارجِ فالشيبُ يغطي رأسي. وأصبحتُ ذكياً بحيث لا أنسى، مادمنا نحن مع الشمسِ معاً، في توازنٍ - أنتم جميعاً ستكونون بخيرٍ: الأرضُ وزحل وأنت، أيها المشاكس، والزهرةُ الجميلةُ. ولكن إذا هربت من الشمسِ من هنا وراء مذنبٍ طائشٍ - سيتبعثر الكل في الكونِ! وتخلص المشتري من المريخِ المملِّ.

  • قوّة التعوّد

          تذمّر القمرُ من الأرضِ قائلاً:

          - دائماً أضطر أن أدور حولك! تعبت من هذه المهامِ! وأنت الآن كبيرة، أصبحت أكبر مني!

          - إذن، توقف عن الدورانِ حولي - ردّت الأرضُ.. سأتدبّر الأمرَ كيفما كان.

          - لا أستطيع! - هتف القمرُ متعجباً من نفسِهِ، - لقد تعوّدت!

  • النجم

          النجم، الذي كانت تمدحه كواكبٌ كثيرةٌ، كان يقيّم نفسَه بشكلٍ أعلى، طبعاً، لأنه كان في أوجِهِ يمكن أن يتلألأ في السماءِ إذا لم يتلألأ هو؟ ونجمُنا لم يتلألأ فحسب، ولكن أيضاً كان يدفئ الكواكب على الرغمِ من أنها كانت كواكبَه القريبةَ منه، لكن مع ذلك سيكون رائعاً، لكن ذات مرة، التقت النجم، ولاحظ أنه ليس الوحيدُ في الكونِ، هناك أيضاً نجوم أخرى، وهذا النجم ليس أبهت منه.

          أما ذلك النجمُ فهو أسطع منه!

          هذا الاكتشافُ صدم النجمَ، وسنضطر إلى الإقرار بأنه كدّره ومرّة أخرى سنضطر إلى الإقرار أنه أثار استياءه نوعاً ما.

          - ألست أنا فريداً من نوعي؟ أنا ساطعٌ، أنا كريمٌ. أنا...! وكيف يتجرأون! ولم يستطع أن يمتنع عن الصياحِ.

          استمرت النجومُ في الإنارةِ، نجمُنا تكدّر، حتى أنه أظلم. وفجأةً شعر، بأن شيئاً ما يجذبه إلى مكانٍ ما، إلى عتمةٍ ما، وببساطةٍ إلى ثقبٍ أسود. ينجذبُ النجمُ بالرغمِ من إرادته وبشكلٍ قويّ!

          - ما هذا؟ انزعج النجمُ. مَن هذا الذي يتوّهني عن المدارِ، لماذا هذه العتمةُ تجذبُني إليها؟

          - هذا أنا الذي أجذبك، ردَّ عليه صوتٌ مستعطفٌ من العتمةِ.

          - أنا، القزمُ الأبيضُ، أنت لا تستطيع أن تراني، لكن أنا  السلطة، لديّ قوة عظيمة. لا أحد يستطيع أن يصمد أمامي، حتى النجوم، لهذا السبب تنجذب إليَّ.

          كان النجمُ يستمعُ، ويسترسل الصوت في الحديثِ:

          - أنت تعجبني، وسأملي عليك كيف تصبحُ النجمُ الأكثرَ سطوعاً والذي لا مثيل له لآلافِ السنين الضوئيةِ: فلتكن نجماً جديداً خارقاً، أجهد نفسك ثم انفجر! وبوميضك ستنير كل الكونِ، وكل النجوم ستظلم بالمقارنةِ معك. وبعد الانفجارِ ستصبح مساوياً لي: الأكثر قوةً، والأكثر ضخامةً، والأكثر جاذبيةً.

          - نحن لا نعرف كيف انتهى الحوارُ، وهل اتّبع النجمُ النصيحةَ. لكن الثقوبَ السوداءَ، والتي بداخِلها الأقزامُ البيضاءُ، موجودةً في كلِّ مكان - في أعماقِ الكونِ وبالجوارِ، في منظومتِنا الشمسيةِ - وهي كثيرةٌ بما فيه الكفايةِ.

  • الكوكب

          فقدت الشمسُ الهرمةُ نورَها وجاذبيتها، وتناثرت الكواكبُ على أطرافِ المجرةِ، أحد هذه الكواكبِ لطيف وصالح تماماً للعيش عليه، وهو موجود في المنظومةِ المجاورةِ. وكان يعجبه الوضع هناك، وقال لنفسِهِ:

          - سوف أدور، في هذه المناطق. هنا أيضاً تضيء بشكلٍ جيدٍ.

          وفي نفسِ الوقتِ اقتربَ مدارُ هذا الكوكبِ من مدارِ كويكب. فرحَ الكوكبُ (كان اجتماعياً ومستعداً للتعاونِ)، لكنه سمع صوتاً جافاً:

          - عذراً، أيها الجسم السماوي، مَن تكون؟

          - أنا كوكب، - أجاب كوكبُنا.

          - هذا لقبك أم رتبتك؟ سأله الكويكبُ.

          - لا، أجاب الكوكبُ، - هذه مهنتي. كنت أعمل ككوكبٍ، أستطيع هنا أيضاً أن أعمل ككوكبٍ.

          - وهل وثقت ذلك في إدارةِ العملِ السماويةِ خاصتنا؟ وهل تم تسجيلك ككوكبٍ؟ أي تم تسجيلك في مدوّنات التاريخِ الفلكيةِ المحليةِ؟ استمر الكويكبُ في الاستيضاحِ.

          - كلا، قال الكوكبُ.

          - لكني في الحقيقةِ، كوكب، تحت الشمسِ السابقةِ كانوا يسمّونني الأرضَ.

          - اسمك لا يهم أحداً، إضافةً إلى ذلك يحتاج هذا الاسم أيضاً إلى التدقيقِ.

          - قال الكويكبُ: أنا، على سبيل المثالِ، حصلت على لقبي رسمياً هنا بالذاتِ ومسجل ككويكب رقم 375127. أنا معروفٌ، أنا أدورُ هنا وفق القانونِ، أما أنت، أيها الجسمُ السماوي المجهول تنحّ عن المدارِ، لأنني أشعرُ بالزحمةِ، واستمر الكويكبُ في دورانِهِ.

          نظر الكوكبُ في أثره وقرّر:

          - قل، ما تشاء! كنت كوكباً، وسأظل كوكباً، وسأعمل على هذا الأساس.

  • النيزك

          كان النيزكُ يتنقلُّ بين الكواكبِ المختلفةِ حتى تعلّم الكثير، واستحوذَ عليه الشوقُ للثقافةِ، وهذا شيءٌ طبيعي تماماً، ونموذجي لشخصٍ مثقفٍ. عندما كان يطيرُ في الفضاء الخارجي، كان يحلم كيف يلتقي بالكوكبِ ويعلّمه بما يملك من معارفٍ، وهناك عن بعد ازرقّت الأرضُ.

          - كوكبٌ رائعٌ! ابتهج النيزكُ، وفي نفسِ الوقتِ رأى كيف كان يزحفُ الظلُّ على الأرضِ. هذا كان بداية الليلِ.

          - ياللهولِ! هتف النيزكُ، هذا طبعاً، ظلامُ الجهلِ.

          هنا يوجد لي عملٌ! لا داعي للخوفِ من المصاعبِ: أنا كبيرٌ وقويٌّ.

          انطلق النيزكُ إلى الأرضِ، وفعلاً، أضاءَ بوضوحٍ كلَّ ما حوله، وبالكاد وصل إلى الغلافِ الجويِّ.

          للأسفِ، بهذا العملِ احترقَ النيزك. هذا الشيءُ كان يحصل أيضاً في السابقِ مع الرومانسيين.

          لكن الفتاةَ على الأرضِ، رأت، كيف لمع في الحشائش المفتاحُ الذي ضاعَ منها، وبدأت الضحك فرحاً:

          - شكراً، أيتها النجمةُ!

 


 

تعريب: د. ناصر محمد الكندري