سوسن

سوسن
        

          السيدة وداد أم لطفلين، عندما وُلدت طفلتُها أخيراً، أدخلت الفرحة والبهجة إلى البيتِ. الابنُ البكرُ اسمه سهيل، عمره ثماني سنوات. شقيقته سلمى عمرها سبع سنواتٍ. احتارت العائلةُ في اختيارِ اسم للطفلةِ المولودةِ الثالثةِ. سهيل وسلمى يريدان إعطاءها اسماً يبدأ بحرفِ السينِ. وكانت العائلةُ وهي على طاولةِ الطعامِ، تتداولُ بالأسماءِ. الأبُ لا تهمّه الأحرف التي يبدأ بها الاسمِ، لكنه لم يرض بعد باسمٍ ما. أمّا أم سهيل، فقد اختارت أن تكون محايدةً، وفي الوقت نفسه أن تكون حكماً بين الفريقينِ.

          سهيل وسلمى من جهةٍ، والأبُ من جهةٍ ثانيةٍِ، والأمُ لا تفارقها الابتسامةُ، وضحكاتها تملأ غرفةَ الطعامِ التي تحوّلت إلى برلمانٍ.

          وبين لقمةٍ ولقمةٍ يظهرُ اسمٌ تختاره سلمى أو سهيل أو الأب. لكنهم لا يلبثون أن يعودوا إلى صحونِهم بصمتٍ، وكأنه الهدوءَ الذي يسبقُ عاصفةَ الأسماء التي ترنُّ في الأذان ولا تأخذ نصيبَها من الاختيارِ أو القبولِ من الجميعِ. والأمُّ تشجّعُ ولديَها وتأتي مراراً ببعضِ الأسماءِ التي تبدأ بحرفِ السينِ.

          فجأة ينهضُ سهيل عن كرسيهِ، وكأنه يتهيأ لإلقاء محاضرة أو خطاب سياسي. تنظرُ إليه سلمى بترقّب، ويقول له والدُه: ماذا؟ كأنك وجدت شيئاً، اسماً، هات، هات ما عندك من أسماءٍ لنرى، شرط أن يقبل بها الجميعُ.

          لا تنس أننا في بلدٍ ديمقراطي.

          يقاطعه سهيل: سمعت مراراً بهذهِ الكلمةِ «ديمقراطي» لكني لم أفهم معناها.

          أجابه أبوهُ: ستفهم، ستفهم، في المستقبل.

          قالت سلمى: هاها.. لنكمّل، خرجتما عن الموضوعِ، أنا وجدت اسماً.

          الأب لا تنسي، يجب أن يقبل به الجميع، خاصة أمك.

          سلمى: طبعاً.. طبعاً..

          سهيل: الاسم.. قولي أي اسم وجدتِ؟

          سلمى: سوسن.

          سهيل: آه.. أعتقد أنه اسمٌ ناجحٌ، يتكرر حرف السين فيه مرتان، والمعنى يا أبي، أنت المترجم.

          الأب: سوسن.. زهرة، اسم لزهرةٍ، شيءٌ جميلٌ، لكني لا أحب هذا الاسم كثيراً.

          سلمى: لكنك تحبّه، ولو قليلاً.

          سهيل: أعتقد أنه يجب أن نتابع بحثنا عن اسمٍ.

          الوالدة: لن ننام هذه الليلةِ إذا أمضينا سهرتنا بالبحثِ عن اسمٍ، ولم نجده في هذه الساعةِ.

          الأب: لا.. سننهي المسألةَ، المولودة الجديدة، أختكما تنتظر.

          سلمى: ماذا تنتظر؟

          الأب: تنتظر اسماً، لها، حرام عليكما.

          الوالدةُ: لعلها لن تحزن لذلك، أنا أسمّيها «سين»، فالحرف فيه كل الأسماء السينية.

          الأبُ ضاحكاً: والصينية أيضاً.

          سهيل: أسماءٌ كثيرةٌ تبدأ بالسينِ، مثلاً سمير. سلوى. سحر. سمر. سوسن. سميّة... إلخ.

          الأب: لننه المسألة ديمقراطياً، لنسأل أم المولودة الجديدة أن تختار لها اسماً.

          الأم: اخترت.. اخترت.. سأقول ما اخترته من أسماء ولن أقبل بتغييره، مفهوم؟

          الوالدة: الاسم، الاسم الذي اخترت.. هو.

          سهيل وسلمى: قولي ما هو؟

          الوالدة: الاسم الذي اخترته هو.. هو سوسن.. انظروا إلى أختِكما، هي كالزهرةِ، وسوسن هي زهرة.

          هنا علا التصفيق والهتاف: عاشت سوسن وأم سوسن وأب سوسن.

 


 

بقلم وريشة: أمين الباشا