شخصيات.. علي أحمد باكثير ونشيد الأمومة

شخصيات.. علي أحمد باكثير ونشيد الأمومة

رسوم: محمد حجي

تحتفل الأوساط الأدبية والثقافية في الوطن العربي هذا العام، بمرور مائة عام على ميلاد الشاعر والأديب المعروف علي أحمد باكثير الذي ولد في مدينة «سوروبايا» بإندونيسيا في 21 ديسمبر عام 1910 لأبوين عربيين من حضرموت (باليمن)، وتوفي في القاهرة في 10 نوفمبر عام 1969.

وكان من عادة الحضارمة (أهل حضرموت) الذين يعملون أو يعيشون في بلاد أخرى، أن يرسلوا أولادهم للتعليم والتنشئة في بلادهم الأصلية، ليتعلموا لغة بلادهم وعاداتها وتقاليدها، فلا يحدث انقطاع أو غربة عن البلد الأصلي، وهي عادة حميدة ومفيدة استفاد منها الفتى علي أحمد باكثير، فأحب اللغة العربية وتعلق بها وبآدابها وأشعارها، وبدأ يكتب شعرا وهو في سن الثالثة عشرة من عمره.

وعلى الرغم من تمكنه من اللغة العربية وإجادته لها، إلا أنه عندما دخل كلية الآداب جامعة القاهرة، التحق بقسم اللغة الإنجليزية، وتخرج منه عام 1939 حاصلا على ليسانس الآداب في اللغة الإنجليزية، ثم التحق بمعهد التربية للمعلمين، وحصل على الدبلوم عام 1940.

وظل الشاعر علي أحمد باكثير يعمل مدرسًا في المدارس الثانوية بمصر لمدة خمس عشرة سنة (من 1940 وحتى 1955)، ثم انتقل بعد ذلك للعمل في مصلحة الفنون المصرية في بداية إنشائها مع الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وظل يعمل بوزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصر حتى انتقل إلى رحمة الله عام 1969.

تزوج علي أحمد باكثير صغيرا، ولكن توفيت زوجته التي كان يحبها كثيرا في عام 1931 فغادر حضرموت، وطاف بأرجاء اليمن عله ينسى زوجته، ويجدد حياته، ثم ذهب إلى الصومال والحبشة، وزار الحجاز (مكة المكرمة والمدينة المنورة) واستقر فيها بعض الوقت، ثم انتقل إلى مصر عام 1934 واستقر فيها حتى وفاته. ومن خلال وجوده في مصر استطاع أن يحصل على الجنسية المصرية بمرسوم ملكي عام 1951، وأن يزور عددا من البلاد الأجنبية منها فرنسا والاتحاد السوفييتي من خلال بعض البعثات.

لم يكتب علي أحمد باكثير الشعر الذي أحبه منذ صغره فقط، ولكنه كتب أيضا القصة والرواية والمسرحية الشعرية والمسرحية النثرية، ونتذكر روايته الشهيرة «واإسلاماه» التي قررت على طلاب المدارس، ثم تحولت في عام 1961 إلى فيلم سينمائي كبير.

أيضا من مسرحياته الشهيرة التي مثلت على خشبة المسرح وشاهدها الملايين خاصة بعد عرضها في التلفزيون مسرحية «جلفدان هانم».

ولعل الكثيرين لا يعرفون أن كوكب الشرق السيدة أم كلثوم غنت إحدى قصائد علي أحمد باكثير، وهي قصيدة «قالوا: أحب القسّ سلّامة» التي لحنها الموسيقار رياض السنباطي ضمن أغاني الفيلم التاريخي «سلامة».

ولكل هذه الجهود الأدبية المتميزة، وتلك المسيرة الطويلة في الآداب والفنون، منح الرئيس جمال عبدالناصر الشاعر والأديب علي أحمد باكثير وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 1963، ثم حصل على وسام عيد العلم ووسام الشعر في السنة نفسها.

لقد كتب علي أحمد باكثير في جميع المجالات، السياسية، والاجتماعية، والدينية، وبلغت أعماله حوالي سبعين كتابا بين الشعر والقصة والمسرحية والرواية، وكان له اهتمام خاص بأناشيد الأطفال، وكان ينشر الأناشيد التي يكتبها لهم في مجلة «السندباد» التي كانت تصدر في مصر. ولكن لم تجمع أناشيده وأشعاره للأطفال في كتابٍ بعد.

ومن الأناشيد الجميلة التي كتبها علي أحمد باكثير عام 1958 ولحنها الفنان عبدالحليم علي، نشيده عن الأم، ويقول فيه:

عيدُك يا أمّي
أبهجُ أعيادي
لولاكِ يا أمّي
ما كانَ ميلادي
قلبُك يَرْعَاني
يَا بَهْجةَ القَلْبِ
وَليْسَ يَنْسَاني
في البعدِ والقربِ
فضلُكِ يا أمّي
ما فوقه فضلُ
فكلُّ خيرٍ لي
أنتِ لَهُ أَصْلُ

عيدُك يا أمي

كيفَ أوفِّيكِ
شيئًا من الدَّينِ؟
أو كيفَ أجزيكِ
يا قُرَّة العينِ؟
اللهُ ذو المِنَّـة
أوْصَى بإكرامكْ
قد جعلَ الجنَّة
من تحتِ أقدامكْ

عيدُك يا أمي

لحنٌ من اللهِ
غنَّى به الوادي
تسبيحَ أفواهِ
ونبضَ أكبادِ
عيدٌ من الرحمةْ
والحبِّ والذكْرَى
تقيمُه الأمَّةْ
لأمِّها الكبرى

عيدُك يا أمي

لي منك يا أمّي
ومصرَ أمَّانِ
كِلتاكُمَا عندي
حبِّي وإيماني
بالرُّوحِ أفديكِ
أمي وأفديها
اللهُ يبقيـكِ
والله يحميها

عيدُك يا أمي

إن الشاعر يربط بين الأم والوطن، وينتهز فرصة «عيد الأم» ليبث لنا مشاعره وأحاسيسه الرهيفة وحبه العميق لأمه الحقيقية التي ينتسب لها بالميلاد، وأمه التي تجسدت في صورة أكبر هي صورة الوطن، مستعينا بما ورد ذكره في الحديث النبوي الشريف عن أن «الجنة تحت أقدام الأمهات»، وهو تعبير يقصد به الطاعة والبرّ بالأم التي شرّفها الله وقدّرها لدرجة أنه سبحانه وتعالى جعل الجنة تحت قدميها.

 


 

أحمد فضل شبلول