ساعي بريد تحت الماء (هدية العدد)

ساعي بريد تحت الماء (هدية العدد)

رسوم : فاروق الجندي

اسْمِي حَرَكَات، عَائلتِي أرْبَعُ سَمَكَات. والدُنا ساعي بريدٍ مائيٍّ، يعملُ منذُ الفجر بلا استثناءِ، إلى أن يرجع تعِبًا كلَّ مساءِ، يعرف كل عناوين البحر السرية، يوزع عليها طرودا ورسائل من حقيبته الجلدية.

تَعْمَلُ أمِّي طولَ اليَوْم، كَيْ تُطْعِمَنا مِلءَ الفمِّ، وأنا أدرسُ كيْ أصبحَ سَبَّاحًا، فأعومُ مساءً وصباحًا، وشقيقتِي الحُلوة بَرَكَة.. هي في الواقع أجملُ سَمَكَة!

ذاتَ صباح قالتْ أمِّي .. بوجهٍ حزين بغمٍّ وهمِّ: «مرض أبوك وغابَ عن العمل، والآن سيفقدُ السمكُ الأمل، هم ينتظرون الرسائل وما بها من حكايا، وينتظرون الطرود وما فيها من هدايا، ماذا نفعل ياولدي حركات، وحقيبة أبيك ملآنة بالأمانات؟».

قررت أن أحمل الحقيبة لأوصل الرسائل، وأخذت العناوين من أبي وسرتُ في تفاؤل، لكن الأخطبوط ذا الثماني أذرع، حاول أن يوقفني ليأخذ ما معي، فدُرْتُ حوله وتفوقتُ على سُرعتِه، وغصتُ تحتَه بعيدًا عن قبضتِه.

شكرتني السمكة الذهبية التي تسلمت رسالتها، ودعت لي بالسلامة حين غادرت بيتها، لكن الحَبَّارَ العملاقَ ذا الصدفةِ التي تشبه القلم، مد مِجَسَّيْهِ نحوي فهربتُ حين ارتطم بصخرةٍٍ مثلَ الهَرَم.

وسَعِدتْ السُّلحَفَاة في العنوان الثاني، حين تسلمتْ رسالتَها بعد سنةٍ وثوان!

اقتربَ مِنِّي قرشٌ ثَعْلب، ظننتُ أنَّهُ يُريدُ أنْ يَلعَب، لكنَّهُ كانَ جائعًا يودُّ التهامي في الحال، فدرتُ حولَ ذيلِهِ المقوَّسِ كالهلالِ، ووصلتُ إلى العنوان التالي، كان ضفدعًا عجوزًا تمنى السلامة لأبي ولي.

أخطر ما شاهدتُ كان الشفنين البحري، إنها السمكة الأرنبية ذات الرأس الدائري، وهي تأكلُ - كما يأكل سمك القرشِ والحَبَّار - الأسْمَاكَ والطيورَ السَّابحة بالبحار، لكنني هربتُ بدون توانٍ، فنجوتُ منْ طحْن الأسْنَانِ.

كانَ الخطرُ الأكبرُ من سمكِ المِنْشار، وهو نوعٌ بين سمكتي القرش والشفنين البحار، فمه شرير بأسنانه الخمسين، وهو سيفه ورمحه المتين.

تخفَّيتُ وراءَ حقيبتي الجلدية، ودرتُ بسرعتي وراءَ صخرةٍ بحرية، ووصلت إلى العنوان التالي، كان الطرد يخصُّ سَبْع البحر الغالي.

سألتُ أسماك السلمون وأنا في الطريق: «كيف أصل إلى عنوان صديقنا البطريق؟»، كانت أسماك السلمون جميلة، عائلتها ثلاثمائة نوع تشبه الخميلة، ألوانها متعددة كمائة قوس قزح، تتحرك حولي في بهجة وفرح.

في طريق عودتي كان الأخطبوط الغضبان يختبئ وراء شقائق النعمان. أراد أن ينتقم مني، لأنه لم يستطع أن يهزمَني!

لكنَّ الأصدقاءَ الذين حملتُ إليهم الرسائلَ والطرودَ، جاءُوا خلفي يراقبونني .. لحمايتي حتى أعودَ. وتعاون الجميع معي، في مقاومةِ صاحبِ الأذرع، فالضفدعُ تقافز فوق العينين، والترسة (السلحفاة) ربطت أطراف القدمين، والبطريق وسبع البحر، أمسكا باقي الأذرع حتى أفر..!

أخيرًا عدتُ إلى منزلي الجميل، فاستقبلتني عائلتي بعناق طويل. وابتسم أبي المريضُ في أمل، وقال: «لك جائزة كبرى حين أعود للعمل». كانت الفرحة عندي أكبر، لأنني جعلت عائلتي بي تفخر.

 


 

أشرف أبو اليزيد

 




صورة غلاف هدية العدد