حكايات الحيوان .. بقلم: السيد نجم

حكايات الحيوان .. بقلم: السيد نجم

رسوم: أشرف الأسدي

هي حكايات على لسان الحيوانات وأحيانا مع الطيور أو النباتات.. ويطلقون عليها اسم «الحكايات الخرافية». عرفها الإنسان منذ قديم الزمان، في بلاد الهند والإغريق وفارس، والعرب، ثم انتقلت إلى أوربا. ومازال الأدباء والشعراء يستخدمون الحيوان في كتاباتهم حتى اليوم، لأنها جذابة وشائقة للصغار والكبار.

  • سر جمال حكايات الحيوان

تتميز تلك الحكاية الخرافية، بأنها قصيرة وعلى لسان حيوان، وتنتهي بنهاية سعيدة. تكتب نثرا أو شعرا، بكلمات سهلة، حول فكرة محددة ومباشرة. تحمل في داخل معانيها القيم الأخلاقية والدينية الجميلة، مثل الصدق، الأمانة، حب الخير.

أي أنها أخلاقية بالدرجة الأولى, وهو ما يميزها عن القصص المعروفة الآن. كما أنها تضم الأمثال الشعبية والحكم والمغامرات، لذلك يعتبرونها معبرة عن كل الناس الذين يعيشون فى المنطقة التي تردد تلك الحكايات. ومنها الحكايات التي تتضمن الأحداث العجيبة، حيث صراع الكائنات مع الصواعق والبراكين والأمطار الغزيرة والزلازل، وكل القوى الخارقة للطبيعة.. لذلك فهي مسلية ومثيرة للكبير والصغير.

وقديما كتبها الكتاب والشعراء من أجل أن يصبح الحيوان رمزا لقيمة معينة. فالثعلب مثلا رمز للدهاء والمكر، فمنذ أن كتب الكاتب الإغريقي «ريناز» (وهي بلاد اليونان الآن) قصص مجموعته «الثعلب ريناز».. وكل العالم الآن يعتبر الثعلب رمزا للمكر والدهاء. ولعل أشهر هذه الحكايات الخرافية، ما كتبه «أيسوب» من بلاد الإغريق، و«بيدبا» من بلاد الهند، و«ابن المقفع» من بلاد العرب، و«جان دى لافونتين» من فرنسا. كلها حكايات تتميز بالحكمة وحب الفلسفة والأدب. وقد عرف العرب الحكايات الخرافية قديما. ورددوا خرافات كثيرة: «خرافة الذئب والحمل»، «خرافة البحر الصغير»، و«خرافة لقمان العربي ونسوره السبعة».

  • حكايات «أيسوب»

عُرفت الحكايات الخرافية مع بداية الحضارة الإغريقية, وقبل «أيسوب» (ربما في القرن السابع أو الثامن قبل الميلاد).

والطريف أن أغلب تلك الحكايات تنسب إلى «أيسوب». ثم ظهرت في بلاد الرومان (المجاورة). بعض تلك الحكايات الخرافية عرف أصحابها مثل مجموعة الشاعر «بابيروس» وإن قيل إنه جمع حكايات «أيسوب» وحولها إلى صياغة شعرية. وكذلك عرفت حكايات «أفيانوس» الأديب الروماني في القرن الرابع الميلادي.

والغريب أن يتحدث الباحثون عن «أيسوب» ويتساءل البعض: هل «أيسوب» شخصية حقيقية؟. مجموعة تعتقد أنه من عادة اليونانيين أن ينسبوا الأعمال المجهولة إلى مؤلف ما.. إن لم يكن لها مؤلف. كما يرى فريق آخر أن «أيسوب» شخصية شبه أسطورية وأنه المؤلف الحقيقي لتلك الحكايات.. بل ونسبوا إليه صفة الإصلاح والصلاح, حتى أنه أصلح من أحوال بعض الكهنة في عصره. أما الفريق الثالث (منهم هيرودوت) يؤكد أنه شخصية حقيقية غير أسطورية, بل وكان عبدًا في أثينا وقد أعتقه سيده. وقد لاحظ البعض وأكد أنه شخصية حقيقية, وذكره بعض أعلام الإغريق في كتاباتهم أمثال (أفلاطون، أرسطو، أرستوفان).

حكاية «أيسوب».. «الحمار في جلد الأسد»

«ارتدى الحمار يوما جلد الأسد وراح يرعب الوحوش كلها, لكنه التقى بالثعلب وأراد أن يخيفه مثل بقية الحيوانات, فقال له الثعلب:

«صدقني كدت أنا نفسي أخاف منك لولا أنني سمعت نهيقك!».

حكايات «كليلة ودمنة»

تعتبر تلك الحكايات من أشهر الحكايات التي انتشرت في العالم كله. كتب بعض منها الهندي «بيدبا»، ولهذه الحكايات حكاية!

حدث أن وقف «بيدبا» ينصح الملك «دبشليم» الظالم، فسجنه الحاكم، لكنه أفرج عنه بعد فترة، ثم طلب منه أن يكتب كتابا لينصح فيه الناس والحكام.. فكتب بعض الحكايات على لسان الحيوانات، وشاعت بين الناس، وترجمت إلى الفارسية (اللغة الإيرانية).

فلما كان القرن الثاني الهجري، ترجمها العربي «ابن المقفع»، وزاد عليها كثيرا، كما أنه أضاف ملامح في حكاياته الجديدة، لم تكن في الحكايات الهندية، منها أن أكثر من نصف الحكايات لا توجد في الحكايات الهندية والفارسية، أعاد صياغة الحكايات بالنثر فقط دون الشاعرية الموجودة في الحكايات الأخرى.. وغير ذلك كثير. وان اشتركوا جميعا في صفة الإطناب في السرد والوصف.

من حكايات الحيوان عند العرب

«خرافة الذئب والحمل» نموذج من حكايات الخرافة التي عرفها العرب:

«عاش رجل عمره كله وهو يخشى من الذئب على خرافه، ذات يوم سأله خروف، حيث اعتقد الخروف أن الذئب ليس سيئا وفيه بعض من الطيبة. فغضب الرجل واحمر وجهه في غيظ شديد. فلما انتشر كلام ذلك الخروف، قابله من قابله من باقي الخراف بالرفض، وتبعه من تبعه من باقي الخراف بالقبول. حدث انقسام عظيم في القطيع، فبعض الخراف ذهبت مع الراعي، وترك القطيع قليلة العدد. وحدث أن خروفا صغيرا من الفئة التي لم ترحل مع الراعي، ذهب إلى الذئب الذي يشكو من الجوع، فلما رآه الذئب

قال له: يا هذا إنك شتمتني العام الماضي!

فأجاب الحمل: إني لم أكن ولدت في العام الماضي.

فقال الذئب: وأنت الآن ترتع في كلئي.

فقال الحمل: إنني لم آكل العشب يا سيدي.

فقال الذئب: وها أنت تشرب من بئري.

فقال الحمل: لم أشرب الماء قط، فإن طعامي وشرابي لا يزالان من لبن أمي

فوثب عليه الذئب وافترسه وهو يقول:

أما بعد فإنني لن أبقى من دون عشاء ولو أبطلت كل حججي».

حكايات «جان دي لافونتين»

ازدهرت الحكاية الخرافية في أوربا في العصور الوسطى, وظهرت الشاعرة الفرنسية «مارى دى فرانس».

وقد استفاد الأدباء والشعراء من تلك الحكايات في أعمالهم الأدبية والمسرحية في مرحلة متقدمة. وهو ما برز في أعمال الشاعر الفرنسي «جان دي لافونتين»، فيما بعد.. الذي ولد عام 1621م وتوفى 1695م. وقد عرف عنه أنه بدأ في كتابة الشعر وهو في الثلاثين من عمره، وتعتبر الخرافات أول أعماله التي اشتهر بها، حتى حاز عضوية «الأكاديمية الفرنسية» التي تضم أهم الشخصيات في فرنسا.

خرافة «الغراب والثعلب»..

«وقف السيد غراب فوق شجرة، وفى منقاره قطعة من الجبن.. وسال لعاب السيد ثعلب، عندما شم رائحتها.. فخاطبه قائلا: صباح الخير يا سيد غراب.. كم أنت مليح.. كم تبدو لي جميلا! صدقني.. لو كان غناؤك في جمال ريشك!.. فأنت أعجوبة هذه الغابة.. اهتز الغراب فرحا لهذه الكلمات.. وفتح منقاره ليثبت أن صوته جميل.. فسقطت منه غنيمته.. وأمسك بها الثعلب، وقال: اعلم يا سيدي أن أي منافق يعيش على حساب مَن يصغي إليه.. ولا شك أن هذا الدرس يستحق قطعة من الجبن.. شعر الغراب بالخزي والخجل.. وأقسم بعد فوات الأوان ألا يقع في مثل هذا الفخ أبدا..».

حكاية «الثعلب والطبل»

«زعموا أن ثعلبا أتى أجمة فيها طبل معلق على شجرة, وكلما هبت الريح على أغصان تلك الشجرة حرَكتها, فضربت الطبل, فسُمع له صوتٌ عظيم باهر. فتوجه الثعلب نحوه لأجل ما سمع من عظيم صوته; فلما أتاه وجده ضخــما, فأيقن في نفسه بكثرة الشحم واللحم, فعالجه حتى شقه. فلما رآه أجوف لا شيء فيه قال: لا أدري لعل أفشل الأشياء أعلاها صوتا وأعظمها جثة».

 

 


 

السيد نجم