يومٌ في حياةِ المكتشفة فرح!.. إعداد: مروة إسماعيل

يومٌ في حياةِ المكتشفة فرح!.. إعداد: مروة إسماعيل

يمكِنُ أن أقرأ كتبًا كثيرة، وأن أستمع إلى محاضراتٍ أكثر، وأشاهد أفلامًا لا تُعدُّ، ولكن زيارة المُتْحَف توضح المعلوماتِ التي قرأتها، وتكمل القصص التي استمعتُ إليها، وتجعلني أعيشُ في الأفلام التي شاهدتُها.

كنتُ الصيف الماضي في رحلة إلى إنجلترا، وفي صباح اليوم التالي من وصولنا اصطحبتُ ابنتي «فرَح» إلى مُتْحَف التاريخ الطبيعي في لندن، سألتني لماذا نبدأ رحلتنا في العاصمة الإنجليزية بزيارة المُتْحَف، وليس الذهاب إلى مدينةِ الملاهي؟ فأجبتُها: سنذهب إلى الملاهي لاحقا، ولكننا في المُتْحَف سنفعلُ كلَّ شيء، فالمُتْحَف يجعلنا نعيش ألفَ سنةٍ في يوم واحدٍ!

يقعُ مُتْحَفُ التاريخ الطبيعي بين مُتْحَفين شهيرين، في شارع المعارض: مُتْحَف العلوم، ومُتْحَف فيكتوريا وألبرت. أي أننا لكي نكمل معرفتنا يجب أن نزور المتاحف الثلاثة، ولكنني سأكتفي بزيارة مُتْحَف التاريخ الطبيعي لأن لدى «فرح» خططا أخرى! سألتُها: هل تتخيلين كم عدد أنواع الكائنات الموجودة في المُتْحَف؟ قالت: ألف! .. مائة ألف!.. مليون!.. في كل مرة كنتُ أهزُّ رأسي بالنفي، وقد دُهشت «فرح» حين أخبرتها أن هناك سبعين مليون نوع من أنواع الحياة تحت سقف هذا المُتْحَف! فأجابتني: إن عدد سكان المُتْحَف يوازي عدد سكان دولة كبيرة!

الأنواع التي تسكن المتحف تشمل علم النبات وعلم الحشرات، وعلم المعادن، وعلم الحفريات القديمة وعلم الحيوان. وقد استقبلنا في البهو الرئيسي أكبر هيكل عظمي رأيته في حياتي، إنه الديناصور ديبلودوكس!

ينقسم المتحف إلى أربع مناطق ملونة؛ المنطقة الخضراء وفيها وقائع عن الحياة، والكوكب والبيئة والتطور. وهناك منطقة حمراء تكشف التغييرات التي حدثت في كوكب الأرض الذي نسكنه، وكيف كان شكل ذلك الكوكب وموقعه داخل الكون. أما في المنطقة الزرقاء فهي الدهشة الحقيقية لأننا سنرى تنوع الحياة على كوكبنا من الحيتان الزرقاء إلى أصغر اللافقاريات. وحين نصل إلى المنطقة البرتقالية نكون قد وصلنا إلى حديقة الحياة البرية ولحسن حظنا فإنها ستكون مفتوحة لنا لأنها ستغلق في أكتوبر وحتى شهر مارس.

أصرت فرح على أن ترتديَ قبعةَ المكتشفةِ الصغيرةِ، إنها القبعة الشهيرة التي يرتديها المكتشفون في الأفلام، حين يزورون الغابات، كما ظهرت في فيلم «الحديقة الجوراسية»، وأطلقتُ عليها اسم «المكتشفة فرح»! من دليل المتحف عرفنا أن «فرح» يمكنُها أن تكون مع دليل و15 زائرا صغيرا وغيرها ليدخلوا في برنامج اسمه «يوم في حياة عالم». تركتها، بعد أن قلتُ لها إنني سأنتظرها في المطعم المجاور لتمثال العالم المكتشف تشارلز داروين.

في الطريق إلى المطعم مررتُ بتمثال العالم تشارلز داروين الذي ولد قبل أكثر من 200 سنة وساعدنا كثيرًا في التعرف على أنواع نباتية وحيوانية، فقد كتب وسجل ملاحظات في 95 ألف صفحة. قلتُ لنفسي لابد أن «فرح» تكتب الصفحة الأولى من ملاحظاتها لتصبح مكتشفة في المستقبل.

كانت هناك أقسامٌ في المتحف كثيرة، ومنها جدران حين تلامسها تشعر بالجليد أو الرياح أو الحرارة، إن حاسة اللمس هي إحدى الحواس التي وهبنا الله لكي نكتشف الأشياء من حولنا.

أثارتني في مجموعة الطيور صورة طائر الدودو، وهي كلمة برتغالية معناها «غبي»، وصف بها البحارة البرتغاليون هذا الطائر الذي شاهدوه لأول مره في عام 1607. كان الطائر يوصف بذلك لأنه لا يدافع عن نفسه ولا يهرب فيترك كلاب وقطط البحارة تصطاده وتأكل بيضه! لهذا انقرض هذا الطائر بحلول عام 1681وقد نقل الطائر إلى أوربا، ولكن لم يبق منه إلا مثل هذا الهيكل الذي رأيته وتم بناؤه من عظام جمعها العلماء من جزيرة موريشيوس. يحاول علماء من جامعة أوكسفورد أن يحصلوا على جينات من بقايا الطائر لكي يجعلوها تفقس مرة أخرى، وأيضًا يبحثون عن شجرة عائلة هذا الطائر والطيور الأحياء المقاربة له لكي ينجحوا.

بعد ساعتين عادت «فرح» وكانت اسمًا على مسمى، فقد كانت مبتهجة جدًّا. قالت إن المجموعة ذهبت بصحبة الدليل إلى مركز داروين «يا لها من مصادفة»، وأعطوا كل فرد في المجموعة جدولا ليجمع المعلومات عن النباتات والآفات الحشرية من خلال المعروضات. كان ختام الرحلة زيارة للشرنقة الضخمة بمركز داروين، ثم جلس بعض العلماء وحكوا لهم تفسيرًا عن كل شيء، وقد عرفت الآن معنى كلمة تصنيف علمي: إنها طريقة ترتيب الاختلافات بين أنواع الكائنات الحية. وقد أعطوها هدية «صورة لحيوانات الديناصورات الصغيرة وهي تخرج من البيض»!

قالت «فرح»: في الماضي كان الشكل والاختلاف في أجزاء الجسم، وعدم اكتمال هياكل الكائنات الحية هو أساس التصنيف لكن الآن العلماء يستخدمون التكنولوجيا والمجهر القوي (المنظار).

أدهشتني ابنتي المكتشفة الصغيرة «فرح» حين أخبرتني أن المناخ يؤثر في انتشار الأمراض قالت لي «فرح»: هناك مرضٌ اسمه الملاريا يتسبب في وفاة أكثر من مليون شخص سنويا في المنطقة شبه الاستوائية، فالمناخ هناك يساعد على تكاثرها. وهذا المرض ناجم عن طفيلي صغير ، ينتقل إلى البشر بواسطة مجموعة من البعوض منها تحديدا. وإننا لكي نسيطر على انتشار مرض الملاريا، يجب أن نتحكم في البعوض، ولذلك يدرس العلماء سلوك تلك الحشرات والمناخ الذي تعيش فيه، ليسيطروا عليها بالمبيدات المناسبة في الوقت الملائم، حتى يتخلصوا منها بدون أي ضرر للأنواع الأخرى.

قالت لي «فرح»: هل يمكن أن نعودَ غدًا إلى متحف التاريخ الطبيعي؟ فأنا لم أكمل باقي رحلتي واستكشافاتي فيه؟! أجبتها بابتسامة ووعدتها بتكرار الزيارة.

 


 

مروة إسماعيل