الخطة السرية

الخطة السرية

قص ولصق: صلاح بيصار

هواء النسائم الصيفية قد توقف مع زيادة سخونة الشمس ولسعاتها وهذا ما شجع أربعة إخوة من القردة الصغيرة على التجرؤ والتفكير في البحث عن بحيرة مائية.. أو مجرى مائي داخل الغابة للعب بجواره مع أي حيوانات أو طيور يجدونها، فتذكر أحدهم وأسرع بتحذير إخوته أن الفكرة تخالف نصائح أسرتهم بخطر الدخول إلى أعماق الغابة بمفردهم خوفا عليهم من الحيوانات الكبيرة المفترسة.. ولكن الإخوة الثلاثة هزوا رءوسهم في لامبالاة وتحركوا في اتجاه الغابة وتبعهم الأخ الرابع في قفزات فرحة وضحكات صاخبة سمعها حتى النمر العجوز الفاشل في صيد فرائسه والذي أصبح أضحوكة الجميع.. تحرك النمر في تلك اللحظة واعتدل منتبها؛ واعتدل في جلسته وهو يحرك رأسه في كل اتجاه؛ وأطلق العنان لحاسة الشم التي لم تزل قوية عنده.. فتشمم رائحة قرود.. ولم تمر دقائق حتى شاهد القردة الإخوة الأربعة في ضحكاتهم ومرحهم على بعد خطوات ليست بعيدة عنه، فطمأن نفسه بوجبة لم يتعود على أكلها من قبل. ولأن الجوع كان يقرص بطنه فيتلوى ألما، جعله يهمس لنفسه: «لا بأس.. سوف أتخيل هذه القرود الأربعة وكأنها أربع عنزات صغيرات ولحمهن الطري يناسب سني وضعف أسناني المخلخلة».

وفي قفزة واحدة كان النمر العجوز يعترض طريق القردة الأربعة وهو يقول ملاطفا:

آسف أيها السادة الصغار؛ فأنا لم أقصد إخافتكم؛ وانما أردت أن أقدم لكم خدماتى.

ارتسمت الدهشة على وجوههم وانفعل أحدهم ساخرا:

منذ متى والنمور المقترسة تقدم الخدمات لغيرها من الحيوانات المسكينة غير المفترسة!

لم يرتبك النمر العجوز وهو يهز شاربه ويتمايل وقال: يجب أن تشكروني حتى لو خطر على بالكم أننى أفكر في افتراسكم!

استغرب واحد من القردة وقال متسائلا: ياسلام نشكرك.. كيف!

«طبعا.. فهل سمعتم ان نمرا تنازل لكي تكون وجبته من قرود تافهة أكثرها عظم مثلكم.. والتي يستنكر ويتأفف أي حيوان محترم من مذاق لحمكم!».

هكذا قال النمر وظهر عليه القرف الذي تصنعه وهو يحرك ذيله، ثم تمطع وفرد جسمه للأمام ثم للخلف وتثاءب قائلا: كنت أفكر في طريقة مبتكرة لآكلكم.. آه.. وربما توصلت إليها الآن!

انتفض أحد القردة خوفا وقال وهو يرتعش:

هل تفكر في أكلنا فعلا.. وما هي الطريقة المبتكرة!

في خبث قال النمر ضاحكا: إنها طريقة عبارة عن خطة سرية.. وآسف لأني تراجعت ولن أخبركم بها أو بتفاصيلها لكي لا تفسدوها!

وهنا حاول القرد الأكبر ضمن إخوته الأربعة أن يستفز النمر فقال له: الأقوياء لا يهمهم الكشف عن خططهم للصغار الضعفاء من أمثالنا!

في غرور أجاب النمر:

طبعا.. طبعا. أنا لايهمني لو عرفتم خطتي وها هي:

«سألتهم السمين منكم أولا. بعده الأقل ثم الأقل.. ثم في النهاية آكل أصغركم كنوع من التحلية».

انكمش أكبر القرود سنا ومع ذلك حاول إظهار شجاعته. قال: لا بأس.. فأنت الذي ستأكلنا.. ولكننا نرجو أن تحقق لنا أمنياتنا قبل ذلك!

تثاءب النمر العجوز متسائلا: وما هي أمنياتكم!

أجاب القرد الأكبر سنا: نحن قردة طيبة وقد تعلمنا من عائلاتنا تقديس حقوقنا وحقوق غيرنا، ولذلك فلتسمح لنا أن نقيم صلواتنا بترديد حقوق جميع المخلوقات لترددها بعدنا طيور الغابة للتذكير بها وعدم نسيانها.

لم يمانع النمر ولم يعترض على تحقيق أمنية القردة الأربعة التي طالب بها أكبرهم سنا.. وعلى الفور وقفوا في صف واحد وكأنهم في انتظار صافرة الحكم في مسابقة في الجري، وفجأة حذرهم النمر قائلا:

لا أحب أن يخدعكم أحد، وعموما أنا الأسرع، وقد حلمت حلما مكررا لمدة ثلاثة أيام إنني قمت بأكلكم!

ردت القردة الأربعة في صوت واحد:

نحن قردة ضعيفة وغبية ولانعرف عن ماذا تتكلم!

تحامل النمر العجوز على نفسه وانتصب واقفا رافعًا قدمه الأمامية وكأنه يعطي إشارة البدء للقردة الأربعة في تحقيق أمنيتهم بترديد المعاني التي تدور حول حقوق المخلوقات سواء الحيوان أو الإنسان، فبدأت القردة في صوت واحد عاليا كأنه نوع من الاستغاثة أو طلب النجدة وبدأ كل قرد من الأربعة يقول أمنية أو استغاثة فيرد عليه القرد الآخر دون أن يفهم النمر شيئا مما يقال.. وكانت الاستغاثات تقول: «من حق كل كائن الدفاع عن حقه وقت الخطر» وأيضا: «إنني صغير.. فمن يدافع عني!» وأيضا: «من حقنا أن نعيش دون تهديد من الأقوياء».. ثم قال القردة الأربعة معا في صوت واحد:

«يا من تسمعوننا.. أنقذونا».

بعدها انفرد القرد الأكبر بالقول بمفرده: «الحق للجميع.. والحق لا يضيع». وفي تلك اللحظة سمعت كائنات الغابة أصوات القردة واستغاثاتها، فاندفعوا في اتجاه مصدر الصوت وهذا ما شعر به النمر العجوز، فتخلى عن غروره وشجاعته ودب الخوف في قلبه وهو يتلفت حوله.. وكان أول ما رآه سيارات الجيب التي تحمل مجموعات من الصيادين وخلفها وبجوارها حيوانات الغابة الضخمة، فأسرع هاربا.. بينما كانت رصاصات الصيادين تحاول إصابته.. وقد نجحت حيلة القردة الأربعة في إنقاذهم من النمر العجوز.

 


 

مجدي نجيب