شخصيات.. فدوى طوقان: جنَّةُ الدنيا بلادي

شخصيات.. فدوى طوقان: جنَّةُ الدنيا بلادي

رسوم: محمد حجي

منذ سبع سنوات في مثل هذا الشهر، رحلت عن عالمنا شاعرة فلسطين الشهيرة فدوى طوقان التي ولدت عام 1917 في فلسطين، وتلقت تعليمها الابتدائي بمدينة نابلس، ولم تستطع أن تواصل التعليم أكثر من ذلك، لأن الفتاة العربية في ذلك الوقت كانت في وضع لا يسمح لها باستكمال تعليمها بعد الابتدائية، ولكن شاعرتنا فدوى طوقان تغلبت على هذه العقبة بأن ثقّفت نفسها بنفسها عن طريق القراءة الكثيرة والمطالعة المستمرة، كما التحقت بدورات في اللغة الإنجليزية، ودرست الأدب الإنجليزي، وسافرت إلى إنجلترا، وأقامت هناك سنتين، فأتقنت اللغة الإنجليزية. وأصبحت - فيما بعد - عضو مجلس أمناء جامعة النجاح في نابلس.وقد ساعدها أخوها الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، الذي كان يعمل في محطة إذاعة القدس، في تنمية مواهبها الأدبية، ووجّهها نحو كتابة الشعر في سن الثالثة عشرة، وشجّعها على نشره في العديد من الصحف العربية. وتأثرت فدوى كثيرا بمرض أخيها إبراهيم، ثم وفاته في عام 1941 عن عمر 36 عاما، وكانت هي في عمر 24 عاما، فوضعت كتابا عنه بعنوان «أخي إبراهيم» صدر عام 1946.

واصلت فدوى طوقان رحلة الشعر والكتابة، وأصدرت أول دواوينها تحت عنوان «وحدي مع الأيام» حيث رحل أبوها عبدالفتاح طوقان، قبل رحيل أخيها، واحتل اليهود دولة فلسطين عام 1948 وسمي هذا العام بعام «النكبة»، وكل ذلك ترك آثاره على شعر فدوى طوقان، التي تمسكت بوطنها فلسطين ودافعت عنه بالكلمة وبالشعر وبالأغاني الجميلة التي كتبتها للأطفال حيث تبين لهم أن بلادها هي جنة الدنيا، وحبها يملأ قلبها وعقلها، وأنها تشم ريح بلادها في كل وادٍ تذهب إليه، وما أكثر الأودية في فلسطين والأردن، وهي تشبه بلادها بالعروس التي تُبدي حسنَها وجمالَها في كل وقت، فتنعم العيون بالنظر إليها من كل مكان.

ولنستمع إلى هذا الجزء من إحدى أغنيات فدوى طوقان للأطفال، وتقول فيه:

جنُّة الدنيا بلادي حبُّها ملءُ فؤادي
ريحُها في كلِّ وادي حسنُها للعين بادي

جنَّةُ الدنيا بلادي

في الضواحي والغياضِ في السواقي والحياضِ
في أنيقات الرياضِ حسنُها للعينِ بادي

جنَّةُ الدنيا بلادي

والغِيَاضُ، مفردها غِيضَة: وهو المكان الذي يجتمع فيه الماءُ فينبت فيه الشجر، وهي أيضا الشجر الملتف.

وتتكرر عبارة أو جملة «جنّةُ الدنيا بلادي»، كمبتدأ وخبر، مع ملاحظة أن المبتدأ يتكون من مضاف «جنّة» ومضاف إليه «الدنيا»، بما يتواءم أو يتناسب مع حال الغناء والوصف والحب للبلاد التي هي «بلادي» بالتأكيد على ذلك عن طريق الياء في آخر كلمة «بلادي» وهي تُعرف بياء النسب أو ياء الملكية، فهذه البلاد «بلادي أنا»، أنتسب إليها وأملكها وأتشبث بها، ولا يمكن أن أفرّط فيها، وأتركها للآخرين المحتلين لها.

إن عبارة أو جملة «جنَّة الدنيا بلادي» هي العبارة أو الجملة المركزية التي تدور حولها الأغنية، لتثبيت المعنى في ذهن المستمع والقارئ بأن بلادنا هي أجمل بلاد الدنيا على وجه الأرض، ومن هنا تعمل مثل هذه الأغنية الجميلة على تغذية الشعور بالانتماء والحب الكبير للوطن.

إن فدوى طوقان عاشقة لفلسطين، واستطاعت أن تعبر عن ذلك في صورة أغنية جميلة خفيفة الحفظ وسهلة المعاني والتلحين.

وقد شاركت الشاعرة في العديد من الملتقيات الأدبية والمهرجانات والمؤتمرات العربية والأجنبية. وحصلت على جوائز عربية وأجنبية كثيرة منها جائزة مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري بالكويت عام 1994، ووسام الاستحقاق الثقافي من تونس عام 1996، وجائزة كفافيس الدولية للشعر بالقاهرة عام 1996.

وكتبت فدوى طوقان مذكراتها وسيرتها الذاتية والشعرية في كتاب عنوانه «رحلة صعبة، رحلة جبلية». وفي مساء السبت 12 ديسمبر عام 2003 ودّعت شاعرة فلسطين الدنيا عن عمر يناهز الـ 86 عاما قضتها مناضلة بكلماتها وأشعارها في سبيل تحرير فلسطين، وكُتب على قبرها قصيدتها المشهورة:

كفاني أموتُ عليها وأُدفنُ فيها
وتحتَ ثراها أذوبُ وأفنَى
وأبعثُ عشبًا على أرضِها
وأبعثُ زهرة
تعبثُ بها كفُّ طفلٍ نَمَتْهُ بلادي
كفاني أظلُّ بحضنِ بلادي
تراباً،
وعشبًا،
وزهرة

وتركت لنا فدوى طوقان مجموعة من دواوين الشعر العذب الجميل هي: «وحدي مع الأيام»، «وجدتُها»، «أعطني حُبًّا»، «أمام الباب المغلق»، «الليل والفرسان»، «على قمة الدنيا وحيدا»، «تموز والشيء الآخر»، «اللحن الأخير».

 


 

بقلم: أحمد فضل شبلول