حقوق الحيوان والأسد الكسلان!.. قصة: مجدي نجيب

حقوق الحيوان والأسد الكسلان!.. قصة: مجدي نجيب
        

رسوم: صلاح بيصار

          كانت ليلةً باردةً. شربتُ كوباً من القرفة باللبن، بينما كانت جدتي تتأمل فنجانَ قهوتها قبل أن تبدأ حكايتها لي. قالت: كان يا ما كان.. زمان في إحدى الغابات، تجمعت الحيوانات والطيور في منزل الأسد. ولكن لا أحد يعرف السبب. وكانت مهمةُ الزرافة تقديمَ المشروباتِ والعصائر المختلفة على الجميع، بينما كانت السلحفاةُ تقوم بالخدمة وتتحرك بين الجميع مثل جندي عجوز. (ربما هو احتفال باكتشاف سر من أسرار الغابة!) هذا ما قاله الغراب لنفسه وهو يراقب الجميع من فوق صخرة ضخمة دون أن يراه أحد. وفكر الغراب وهو يحك رأسه في الصخرة التي يقف عليها مغتاظاً لأنه لا يعرف بالضبط سبب هذا التجمع، وخصوصاً عندما دخل أحد الحمير مع ولديه وجاءت جلستهم بجوار الثعلب.

          «بالتأكيد. هذا عيد ميلاد الأسد وقد جاءوا للاحتفال به!»، لكن الذي لم يعرفه الغراب أن هذا التجمع وهذه الدعوة من الأسد شخصياً، ولا أحد ممن حضروا يعرف السبب، وللحظة، حرك الغرابُ جناحيه متحفزاً. فكّر أن ينضم إلى الجميع. تحمس. لكن خوفه وعدم ثقته جعلاه يتريث ويترقب الموقف. فجأة قفز الأرنب على ظهر الثعلب، ومنه على ظهر الحمار، وبصوت مرتعش دعا للأسد بحياة مديدة، سعيدة وصحة وعافية وألا يصيبه فقر، أو وجع في يوم من حياته. بعدها هبط الأرنب قفزًا إلى الأرض متلفتاً يميناً ويساراً، وكأنه يحيي الجميع، واعتذر منهم لاضطراره للرحيل لأن زوجته على وشك الوضع.

          «كان الغراب قد شهد وسمع ما قاله الأرنب، فهمس لنفسه: (أرنب ذكي.. لابد أن جهازه العصبي تنبأ بمأساة ستحدث، ففكر في الهرب!».

          ضحكت جدتي، ورشفت رشفةً من فنجان قهوتها وأكملت الحكي: وبينما الجميع يتناولون المشروبات، بدأت مناقشة واحدة من القضايا التي تشغل بال الحيوانات والطيور، وهي قضية اضطهاد الأقوياء للضعفاء، وأنه لا توجد قوانين تدافع عن الضعيف منها. كان الهدهد هو الذي أثار القضية. وهنا تمطّع الأسد، بينما تثاءب الحمار في بلاهة كأن الأمر لا يعنيه لأنه تعود على الاضطهاد. وكان الأسد قد اعتدل في جلسته ورسم تكشيرة على وجهه وظهر الاستياء في عينيه وقال:

          - أنا أحكم بينكم بالعدل، لم أقصر أبداً!

          مطّت الزرافة رقبتها قرب الأسد وهي تناوله مشروباً وهي تقول في سخرية

          -أ نت بالفعل حاكم عادل.. ولا تفرق بين حجم ما يُشبعك.. أو حجم ما لا يشبعك!

          هزّ الأسد شاربيه قائلاً:

          - هذه كلها شائعات. فهل تصدقينها!

          سكت للحظة كأنه يفكر وقال:

          - اسألوا هذا القرد.. إنه يعرف الكثير عن سلوكي العادل!

          ودون أن ينظر القرد إلى الأسد. قال:

          - أعتقد يا مولانا أنه لابد من وضع قوانين تحمي الضعيف من القوي.. والصغير من الكبير!

          علّقت النعامة: فعلا. من دون القوانين.. تصبح الحياة فوضى!

          صفق الغراب في حذر مستحسناً ما قاله القرد والنعامة وهمس لنفسه: «وأيضاً مطلوب قانون يلغي التميز في اللون بين الحيوانات والطيور بعضها بعضاً».

          سكتت جدتي عن الحكي ورشفت رشفة من فنجان قهوتها ثم أكملت: تمايلت الزرافة في مشيتها وكأنها موديل (عارضة أزياء) وهي توزع المشروبات، وكادت تدوس على السلحفاة وهي توجه حديثها للجميع: بعد قليل سيحين موعد العشاء، والأفضل أن تنشطوا في تحريك عضلاتكم بدل هذه الأحاديث.

          وهنا تساءل القرد مستفسراً: وكيف نفعل ذلك يا زرافة!

          ردّت الزرافة: بنوع من الرياضة، أو الحركة، أو ما شابه ذلك.

          استحسن الأسد الفكرة، وأعلن أن النقاش في القضايا والقوانين والحقوق، أشياء تصيبه بالملل، وأحياناً بفقدان الأعصاب، ولذلك، طلب أن يلعب الجميع لعبة «الغميضة»!

          كان الغراب لايزال في موقعه يراقب، وفكر مرة ثانية أن يهبط وينضم إليهم في لعبة «الغميضة»، ولكنه أبعد الفكرة، وفي اللحظة نفسها اقترح الأسد أن يكون هو من يقوم بدور «المسّاك»، فوضع القرد قطعة من القماش السميك على عيني الأسد، واستعد الجميع للاختفاء بعد العد من واحد إلى خمسة. بعدها نزع الأسد قطعة القماش من فوق عينيه. وهكذا بدأت اللعبة، وكان الأسد يلعب معهم وكأنه يلعب مع أسرته. ويضحك ويتودد ويلقي النكات. وعندما تعب الجميع، جلسوا في انتظار العشاء.

          قطع صمتهم الفيل وهو يقول لاهثاً:

          اللمة تمنحنا الألفة.. وتجعلنا عائلة واحدة وتشعرنا بدفء الأمان!

          وقالت القطة وهي ترتعش:

          وجميل أن يخاف كل منا على الآخر، فلا يعتدي أحدنا على حقوق الآخر.

          ابتسم الأسد ابتسامة باهتة، أما الزرافة التي كانت تمشي كراقصة تتمايل. فقالت كأنها تسخر مما سمعته:

          - يتنبأ صديقنا الفيل والقطة بعصر جديد، يتساوى فيه الجميع في الحقوق!

          وفجأة سكتت للحظات وهي تتأمل القرد. «إنه كلام خطير»، هذا ما قالته الزرافة وهي تختفي في طريقها إلى المطبخ. وفي حركة متوجسة، تلفت القرد حوله هامساً: «لا أصدق ما أسمعه وما أراه، وكأنني في حلم!». ولكن الأسد كان قد سمعه، فنظر إليه ثم إلى بقية الحيوانات والطيور، واعتدل في قعدته وقال في ثقة:

          اسمعوني جيداً. لأنني كبيركم وأقواكم، قررت ألا أبدأ بالعدوان على أحد أو افتراس أحد من زملائي في الغابة أو خارجها.

          قاطعه الجميع في تهليلة صاخبة، فأسكتهم. وأكمل:

          قراري هذا له ثمن! عليكم أن توفروا لي طعامي، فأمنحكم ثقتي الكاملة!

          تبادل الجميع النظرات المندهشة، الخائفة. أما الغراب الذي كان لم يزل يرقب الموقف، فكاد أن يفطس من الضحك، ثم نفض جناحيه وهمس لنفسه: «إنه أسد كسول.. يريد أن يأكل دون أن يعمل!»، ثم طار مبتعداً وهو يؤكد لنفسه: «إن قانون الغابة، لا يمكن أن يتغير أبداً»!

          سكتت جدتي عن الحكي وهي تسألني: «هل فهمت مغزى الحكاية»؟ أجبتها:

          نعم، فالأسد أقوى الحيوانات، وهو الأكثر تهديداً لحياتها! هزت جدتي رأسها وأضافت: يجب ألا تثق في عدوك.. أو تمنحه ثقتك قبل أن تفكر أكثر من مرة!