هدية الصياد

هدية الصياد
        

رسم: أمين الباشا

          كانوا على موعدهم أصدقاء في المدرسة، قرّر واحد منهم أن يبدأ برواية قصة يخترعها هو والأصدقاء كل واحد منهم يتابع القصة. الذي قرّر ذلك، أنهى قصته بسرعة.

          لم يرق للبعض أن القصّة قد انتهت طالبين من كل واحد منّا تكملتها، اعترض البعض الآخر محتجّين أننا بحثنا على طول الشاطئ عن كوخ ولم نجد أثراً لكوخ.

          هنا رأى صديق أن نكمّل القصة وابتدأ قائلا: الصيّاد لم يعط الولد مفتاحاً ذهبياً. قاطعه الأصدقاء سائلينه: آه! ماذا أعطاه إذن؟ أجاب: أعطاه بحصة زرقاء كلون البحر والسماء قائلاً له إنها أول شيء اصطاده عندما كان شاباً. أعجبته، وضعها في جيبه ناسياً أسماك البحر والصيد. وبقيت معه طوال عمره حتى أصبح شيخا عجوزا.

          عندما قام الصياد ليأخذ البحصة الزرقاء من القفص ليعطيها للولد الذي زاره قال له: يا سيدي، القفص للعصافير وليس لوضع البحص فيه. أجابه الصياد: عندما فتحت باب القفص الصغير، حزنت لرؤية العصفور محبوساً داخل مكان ليس مكانه. قال له الولد: أين مكانه غير القفص؟ أجابه الصياد: مكانه الأجواء الواسعة وأغصان الشجر والبساتين الملوّنة بخضارها وألوان أزهارها الجميلة. قال له الولد: ماذا فعلت بعد ذلك؟ أجابه الصياد: قلت يكفيني أن أصطاد بعض الأسماك لأعتاش منها، ولا حاجة لي أن أحبس عصفوراً وأضعه في هذا القفص، أمسكته بكل لطف وخرجت إلى الشاطئ وتركته يسبح في الأجواء، فسمعت زقزقته حال انطلاقه وكأنه يشكرني على إطلاق حريّته بإعادته إلى المكان حيث يجب أن يكون.

          قال له الولد: قلت حريته؟ حرية العصفور؟ أجابه الصياد: نعم.

          الولد: وهل يعرف العصفور معنى للحرية؟

          الصياد: كل المخلوقات بحاجة إلى الحرية، الحيوانات حتى الأعشاب والأزهار.. لا تنس أن الإنسان لا يستطيع أن يحيا سعيداً إن لم يكن حرّاً.

          الولد: أسمع كثيراً في هذه الأيام ترداد كلمة الحرية.

          الصياد: صحيح، ليست حرية العصفور فقط، هي حرية الإنسان والشعوب. تتكرّر كلمة الحرية في كل المجالات، لأن شعوباً كثيرة تطالب بها وتجاهد في سبيل نيلها.

          هنا وقف الولد عن الكلام، والكل صمت ومستمع. نظر إلى إحدى الفتاتين طالباً منها أن تكمل القصة. تردّدت الصديقة ثم قالت: لا أدري كيف أكمل، بعدما سمعنا عن موضوع الحرية، والغريب أنها لم تطرق على بالي مرّة واحدة. الآن أفهمها قليلاً، أعتقد أنها ستفتح لي آفاقاً للتفكير.

          أجابها أحدهم: هل تعلمين أن بلداناً كثيرة محرومة من حريّتها؟ علينا أن نطلب من أستاذنا أن يفسّر لنا معنى الحرية. وكيف تصل الشعوب إلى نيلها.

          ثم تابعت الفتاة قائلة: إن ما سأرويه لن يعجب البعض منكم.

          أجابتها صديقتها: أكملي أنت القصة ونحن نحكم عليها. قالت لها: عال.. أولاً إن الصياد لم يعط الولد مفتاحاً ذهبيا أو بحصة زرقاء.

          - إذن ماذا أعطاه؟ أجاب الجميع.

          - الصياد لم يكن عنده قفص ولا عصفور، ولم يعطه شيئًا.

          علت أصوات الأصدقاء: لا.. إنك تلغين كل القصة.. هذا غير مقبول، وكأننا لم نروِ قصّة. أجابتهم الصديقة: تكلمتم كثيراً عن الحرية، أنا حرّة بتكملة القصة كما أريد، لهذا عليكم الاستماع وإني سأنهيها سريعاً.

          - طيّب أكملي، قلت إن الصياد لم يكن يملك قفصاً ولا عصفوراً.

          - صحيح. بل أعطاه شيئاً ثميناً، كل إنسان يبحث عنه ويتمناه، ونحن هنا، قد وجدناه. وعليّ الآن أن أسألكم من يستطيع أن يعلم ما هو هذا الشيء؟

          أجاب الجميع معاً: لا.. لن نعود إلى البدء.

          - لن نعود إلى البدء، بل سنفكّر قليلا لنعرف هذا الشيء.

          قال أحدهم وكان صامتاً طوال الوقت: الصياد أعطى الولد صداقته.

          هنا وقفت الفتاة قائلة: هذه هي الحقيقة، وأعتقد أنها أثمن من مفتاح ذهبي أو بحصة زرقاء.

          - الصداقة ثمينة لكنها ليست أثمن من الحريّة. قال أحدهم.

          وتابع آخر: اتفقنا، الحرية ثمينة والصداقة أيضاً.

 


 

أمين الباشا