سالم وسارة.. في محمية صباح الأحمد

سالم وسارة.. في محمية صباح الأحمد
        

رسوم: أحمد فايد

          عند العصرِ كان سالمٌ وأختُه سارة برفقة والدِهما يتناولان بعض الفواكهِ في حديقةِ المنزلِ عندما طلب منهما والدهما الاستعدادَ لرحلة التخييمِ في اليومِ التالي قرب «محمية صباح الأحمد الطبيعية»، فرح سالم وسارة بالخبر كثيرًا وأسرعا لتجهيز أشيائهما الضرورية للرحلة.

          قال سالم وهو يحضر حقيبتَه الصغيرةَ، سأضع غيارين من الملابس لي وبالطبع لن أنسى كاميرا التصوير التي اشتريتها في العيد الماضي.

          قالت سارة، وهي تضع قبعةً على رأسِ سالم، لا تنسَ أن تضع هذه القبعة على رأسك وسأضع مثلها لي.

          قال سالم: إذن من فضلك لا تنسي نظارتينا الشمسيتين.

          وردت سارة: ولن أنسى فرشتي الأسنان والمعجون وسأضع دفتراً صغيراً وقلماً ربما نحتاج إليهما لتدوين بعض الملاحظات.

          سرح سالمٌ قليلاً فلوحت سارة بيدها أمام عينيه فانتبه وهتف: لقد طرأت لي فكرةٌ جميلةٌ، سيكون التصوير علي، والتعليق والكتابة عن الصور عليك ما رأيك؟

          ضحكت سارةً وعلقت: لو كنت أعلم لتركتك تسرح طويلاً حتى تأتي بأفكار كثيرة وجميلة!

          وتابع سالم شرح فكرته: سنعمل موسوعةً صغيرةً ونطلب إلى أبي أن ينسخها على الكمبيوتر لنوزعها على أصدقائنا في المدرسة ليستفيدوا منها ويستمتعوا بها أيضا.

          قالت سارة وهي تغلق حقيبتها: المصور سالم والمحررة الصحفية سارة في محمية صباح الأحمد!

          صفق سالم وصدح: تتر لا لا لم لم!!?

          عند الساعة السادسة صباح اليوم التالي كان سالم وسارة يأخذان مكانيهما في السيارة وقد ارتديا معطفيهما، ففي الخامس والعشرين من فبراير لايزال الجو باردا عند الصباح الباكر، ربط سالم حزام الأمان فيما جلست سارة في المقعد الخلفي وقد أشرق وجهاهما بالفرح، لقد استيقظ والدهما مبكرا عنهما وأحكم وضع الخيمة الصغيرة في العربة التي تجرها السيارة خلفها، كما وضع فيها سجادة صغيرة وحقائب النوم ومطارتي ماء من الحجم المتوسط الكافي لرحلتهما، كما وضع سلة تحوي الخبز وبعض الفواكه والعصير والمعلبات واللحم المعد للشواء وكيساً صغيراً من الفحم، وفي الطريق عرجوا على محطة البنزين للتزود بالوقود وما إن انتهوا من كل ترتيبات الرحلة حتى انطلقت السيارة في طريقها إلى المحمية.

          أحب الوالد أن يرفه قليلاً عن سارة وسالم ويجعل من قطع مسافة الطريق متعةً لهما فأخذ يحكي لهما حكايات لطيفة ثم اتبعها بغطاوي (ألغاز) كان كثيراً ما يلقيها عليهما ليحثهما على التفكير والتخمين وسأل: ما هو الشيء إذا تليت (سحبت) حزامه تهلهلت (تناثرت) عظامه.

          أجاب سالم بسرعة: الخيمة.

          ارتسمت علامة التعجب على وجه الأب ومازح سالم: من أخبرك؟

          وردت سارة: هل نسيت يا أبي، أنت من كان دائما يسألنا ويجيب عن الغطاوي الصعبة التي لا نعرفها.

          قال الأب: حسناً وهذه غطاية (لغز) أخرى، أربعة شالوا (حملوا) الجمل والجمل ما شالهم (ما حملهم).

          وأجابت سارةُ: أرجل الجمل الأربعة حملته ولم يحملها على ظهره!

          ضحك الأبُ وسالم لتعليق سارة وألقى غطاية أخرى: أصله من الطين ويعشي المساكين ما هو؟

          ردد سالم وسارة اللغزَ أكثر من مرة لكنهما لم يتوصلا لإجابة، مما دعا الأب أن يقربه لهما بلغز أخر وقال: باللون متشابهين وبالشكل متعادلين، واحد يزرع بروحه (ينبت من تلقاء نفسه) والثاني له باذرين (ينبت من خلال زرعه) ما هو؟

          لم يستطعْ أيضا سالم وسارة الإجابةَ عن اللغز مما جعل والدهما يعلق: يبدو أنكما استسلمتما سأقربه أكثر لكما، ألا تذكران ذلك الشيء الذي اشتريناه في الربيع الماضي من السوق وكانت رائحته بالتراب الملتصق عليه جميلة جدا والذي يشبه الشيء الآخر الذي تحبانه دائما مقلياً بالزيت لذيذ، هم هم، لذيذ?

          هتفت سارة: البطاطس!

          وهتف سالم: الفقع!

          وهتف الأب: يا لكما من ذكيين! الفقع أصله من الطين وينمو في البر من دون أن يزرعه أحد، والبطاط ينمو في المزارع عن طريق الزراعة وكلاهما طعام طيب ولذيذ.

          كانت السيارة قد قطعت شوطاً طويلاً وأصبحت على مشارف منطقة الجهراء وحدث الأب ولديه: منطقة الجهراء أصبحت مدينة كبيرة وحديثة بعد أن كانت في الماضي قرية زراعية صغيرة ويوجد بها قصر حيث دارت عنده في الماضي معركة ضد الغزاة، هل تعرفان اسم هذا القصر؟

          وأجاب سالم وسارة معا: القصر الأحمر.

          ما إن تعدت السيارة منطقة الجهراء حتى لاحت من بعيد بعض التلالِ المرتفعة وقال الأب وهو يشير نحوها: تلك تلال المطلاع تلوح من بعيد، أما نحن الآن فسننعطف يمينا لنسلك طريق الصبية المؤدي إلى المحمية?

          تقافز سالم وسارة على مقعديهما فرحين باقترابهما من المحمية وسأل سالم: هل المحمية كبيرة يا أبى؟

          وقاطعتهما سارة: لحظة من فضلكما، لا تجبه يا أبي حتى أجهّز أوراقي وقلمي هل نسيت يا سالم أنني المحررة الصحفية وأنت المصور.

          وضحك الأب وعلق: وأنا رئيس التحرير لصحيفتكما طبعا! ثم تابع كلامه وكانت سارة تدون المعلومات في أوراقها? - تقع المحمية في شمال شرق الكويت وتمتد على مساحة 331 كم2 يحدها من الجنوب جون الكويت وبحره ومن الشمال الشرقي منطقة العوجة ومن الشمال الغربي محطة أم العيش، وطريق الصبية يقسم المحمية إلى جزئين شمالي صحراوي وجنوبي ساحلي.

          سألت سارة: هل سنقطع كل تلك المسافة بالسيارة ياأبي داخل المحمية ونتجول فيها؟

          ورد الأب: لا يا سارة المحمية تعني المنطقة التي تحمى من التجول فيها بالسيارات ولا يرتادها أحد بأي شيء يفسد غطاءها النباتي أو يسبب الضرر لكائناتها الحية أو يؤثر على تضاريسها البيئية.

          وسأل سالم: ولماذا أسموها محمية صباح الأحمد يا أبي؟

          وأجاب الأب: كان اسمها سابقاً منتزه الكويت الوطني وتقديراً لجهود سمو الشيخ صباح الأحمد أمير البلاد عندما كان في ذلك الوقت رئيس المجلس الأعلى للبيئة ولرعايته الكريمة للأنشطة المتعلقة بحماية البيئة وتنميتها تم تسمية المحمية على اسم سموه وافتتحت باسمها الجديد في الثالث من شهر مارس من العام 2004م.

          انتبه سالم لقطيعٍ كبيرٍ من الأغنام والماعز يتناول الأعشاب النامية على جوانب الطريق فطلب الى أبيه أن يتوقف قليلاً لالتقاط بعض الصور، ركن الأب السيارةَ جانباً وظل ينتظر سالم وسارة المبتهجين وسط القطيع يلتقطان الصور المختلفة ثم أسرعا بالعودة لمتابعة الرحلة.

          قال الأب وقد لاح تلٌ رملي ممتد يبدو لا نهاية له: ها نحن قرب القسم الساحلي من المحمية، سنوقف السياره ونتجول بالقرب منه.

          جرت سارة بأوراقها وسالم بكاميرته وتسلقا التل الرملي حتى وصلا إلى الحاجز المعدني.

          وسألت سارة: ألا توجد بوابة للدخول يا أبي؟

          وأجاب الأب: المحمية غير مفتوحة لجمهور الناس، لكن يمكن للباحثين والطلبة أن يأخذوا تصريحاً خاصاً للدخول إليها، إن المحمية أنشئت بهدف حمايةِ النظامِ البيئي من التدمير فعندما بدأ الإنسانُ بتدمير الغطاء النباتي للأرضِ من خلال السيارات ولاحقاً الدراجات على مختلف أنواعها وبسبب الرعي الجائر بدأت الكائنات الحية بالاختفاء والانقراض شيئاً فشيئاً، إذ لم تعد البيئةُ الصحراوية مكاناً آمناً للعيش ولولا اتفاق العلماء والمسؤولين على إعادة تأهيل هذه الأرض وجعلها مكاناً مناسباً لعودة الحياةِ البيئية السابقة لتحولت هذه الأرض إلى مجرد رمال جرداء.

          شعرت سارة بالإحباط لعدم تمكنها من دخول المحمية وظلت تتأمل من خلال فتحات الشباك الحاجزة فقالت: كنت أظن أننا سندخل المحمية ونتمشى بالداخل?

          وقال الأب دوني هذا في أوراقك ياسارة: تتمتع المحمية بخمسة معالم أرضية ذات بيئات طبيعية وهي سهول ساحلية، كتل صخرية، جرف، مرتفعات ومنحدرات ويمتاز الجزء الساحلي من المحمية بجرف جال الزور الذي يرتفع إلى نحو 150م ويجري بموازاة الشريط الساحلي.

          كان سالم يلتقط بعض الصور عندما لاح سربٌ سريعٌ من الطيور فهتف بسرعة: انظر يا أبي، انظري يا سارة، ورفع كاميرته وقد ضغط عليها بتتابع سريع عله يحظى بصورة واضحة للطيور التي كانت سريعة في طيرانها.

          قال الأب وهو يشير إلى الطيور التي ابتعدت: هل رأيتما لونها الأزرق الجميل.

          وقالت سارة: كأن لونها كان أسود يا أبي?

          ورد الأب: هذه سمنة الصخورِ الزرقاءُ أو السمنةُ الغرابيةُ تنطلق نحو الساحل، إنها من الطيور المهاجرة في آخر الشتاء وبداية الربيع، من بعيد تبدو سوداء اللون لكن عند الاقتراب منها يبدو لونها الأزرق الجميل كما أن لون إناثها يختلف عنها حيث تمتاز باللون البني المخطط والذيل البرتقالي.

          وقال سالم: ولكنها كانت تطير بسرعة يا أبي فكيف رأيت لونها؟

          ضحك الأب وقال: قبل أن تولدا يا طائري الجميلين كنت أحب مراقبة الطيور والتقاط بعض الصور لها، وفي الكويت الكثير من الأماكن التي يمكن مراقبة الطيور منها، هل تعلمان أن في العالم نحو عشرة آلاف نوع من الطيور رصد في الكويت منها حوالي 380 نوعاً ما بين طائر مهاجر ومستوطن، وفي هذا الجانب الساحلي من المحمية تم رصد بعض الطيور التي منها البط العوام، الحوام طويل الساق والقطقاط الأغبر وغيرها من الطيور.

          قالت سارة وقد ابتهجت قليلاً: جيد ياسالم إن أبي لديه بعض الصور التي قد تفيد موضوعنا.

          قبل أن يتحرك الجميع عائدين إلى السيارة أشار الأبُ إلى بعض الأعشاب المتناثرة هنا وهنالك وقال: تزخر محمية صباح الأحمد بتنوع نباتي، حيث تم تسجيل تسعة وثلاثين نوعاً من النباتات عند المناطق الساحلية من المحمية تنمو عند السبخات المالحة القريبة من الشاطئ ومن أهمها نبات الهرم، الثليث والغردق. انطلقت السيارة بتمهل نحو الجزء الصحراوي من المحمية وبعد كل مسافة كان سالم وسارة يطلبان إلى أبيهما التوقف لالتقاط بعض الصور، اختار الأب مكاناً قريباً من المحمية لنصب الخيمة وكانت الخيامُ البيضاءُ المتناثرةُ على مد البصر أغرت سالم بتصويرها وعلقت سارة: كأن هذه الخيام البيضاء قمم من الجليد!

          وعلق الأب: لكن يا خسارة، قمم الجليد على بحر من الرمال الجرداء، انظرا إلى هذا الجانب من المحمية كيف هو معشوشب وأخضر وانظرا إلى كل تلك الخيام وكيف هي منصوبة على الرمال حيث لا طبيعة ولا بهجة، كم أتمنى أن تعود صحراء الكويت كما كانت عندما كنت صغيرا بعمركما.

          قال سالم: يجب إذن أن يحموا كل بر الكويت يا أبي ليعود كما كان!

          وهتفت سارة معترضة: لا، لا، اذ كيف حينئذ سندخل البر ونتمتع بالرحلات.. ونظرت بحسرة إلى الشباك المعدنية الحاجزة التي تمنعها من دخول المحمية.

          ضحك الأب وحملها عاليا بين يديه وعلق: أنت محبطة ياسارة لأنك لم تدخلي المحمية!

          وردت سارة وقد شهقت بدمعتها: كنت أريد مشاهدة الكثير من الأشياء التي حدثتنا عنها، وأريد المزيد من الصور لموسوعتنا التي سنوزعها على أصدقائنا في المدرسة، لكن الآن ليس لدينا إلا القليل!

          دار الأب بسارة عدة دورات بالهواء ثم أنزلها وقد ضجت بالصراخ والضحك وقال: هيا يا شباب لنصب الخيمة والاستراحة قليلاً?

          أسرع سالم وسارة لمساعدة والدهما واستمعا لتوجيهاته حتى استطاعوا نصب الخيمة الصغيرة، وقام سالم بالتقاط الصور لهم وهم يعملون على ذلك، كان النهارُ قد انتصف والشمسُ بدأت حرارتها تعلو قليلا، تناول سالم علبة عصير وكيساً من البطاطس وكذلك فعلت سارة وعندما انتهى سالم رمى بعلبة العصير وكيس البطاطس الفارغين من باب الخيمة فاحتجت سارة: أنت تلوث البيئة يا سالم، وهذا سلوك غير حضاري!

          وقال الأب وقد ناول سالم كيساً للقمامة: كلام أختك صحيح ياسالم ولو أن كل الذين يرتادون البر صنعوا كما صنعت لما وجدنا مكاناً نجلس فيه، إن الفضلات والقاذورات تلوث البيئة وتنشر الأمراض وتنهك الطبيعة التي لا تستطيع أن تتخلص من هذه الأشياء المصنعة، البر، البحر، الحدائق والمزارع وجدت لراحتنا وإسعادنا جميعا والمحافظة على نظافتها من الإيمان.

          اعتذر سالم لأبيه وسارة وقبل أن يلتقط علبة العصير وكيس البطاطس قام بتصويرهما وهما ملقيان على الأرض والتفت إلى سارة قائلا: يمكن أن تعلقى أسفل هذه الصورة، لا تلوثوا البر?

          ابتسمت سارة وعلقت: أجل لا تلوثوا البر كما صنع أخي سالم!

          علق الأب: أسود ليل، ما هو ليل? (ليس بليل) له جناح وما هو طير، يقض (يقرض ويثقب) الدار وما هو فار، ينقل سماد وما هو حمار! ما هو؟

          ابتسم سالم وسارة سالم للغز الذي طرحه والدهما وقالا معا: استسلمنا لا نعرف الإجابة!

          وقال الأب: أنتما كسولان الآن وتريدان الإجابة جاهزة، وأنا كسول ولن أقرب الإجابة لكما... لكن... مارأيكما أن تعرفا الحل وتشاهداه على الطبيعة أمامكما!

          هتف سالم وسارة وهما يتلفتان حولهما: رائع يا أبي أين هو هذا الشيء؟

          دنا الأب من الأرض وأشار إلى خنفس أسود كان يدحرج كرة من روث الأغنام وقال: هذا? (أبو الجعل) أسود الليل، من العجيب أنه كحشرة ينظف الأرض من الفضلات فيما الإنسان العاقل يلوث الأرض ولا يتعلم منه كيف يكون صديقاً للبيئة.

          ظل سالم وسارة يراقبان (أبو الجعل)، وهو يدحرج الروث حتى اختفى بداخل جحر صغير في الأرض وتذكر الأب قصة خيالية طريفة فقصها عليهما: يقال إن (أبو الجعل) أحب الشمس كثيرا وأراد أن يتزوجها ولكن الشمسَ لم ترغب بالنزول من السماء للأرض لأنها ملوثة بالكثير من الفضلات فاشترطت عليه تنظيف الأرض حتى توافق على رغبته بالزواج منها ومنذ ذلك اليوم و(أبو الجعل) يجمع الفضلات ويدحرجها ولا ينتهي من عمله.

          ضحك سالم وسارة وعلقا: ولن ينتهي أبداً فالفضلات أصبحت كثيرة على الأرض.

          وقال الأب: البعض يستهين بمثل هذه الحشرات الضئيلة ويعتبرها لا قيمة لها أو فائدة وقد يقتلها ويدهسها في البر دون أن يعلم أنه إنما يدمر دورة الحياة ويعيق الطبيعة عن عملها في التجدد الدائم بالتخلص من الفضلات.

          كانت الشمسُ قد مالت للانحدار في السماء وخفت درجةُ حرارتها قليلاً وقام الأب مع ولديه بتسلق التلال الرملية واقتربوا من الحاجز المعدني المشبك، كانت الأرض عامرة بالأعشاب وببعض زهور النوير البرية الصفراء والبيضاء والبنفسجية وقام سالم بأخذ بعض اللقطات وعلقت سارة: عندما نظهر هذه الصور الجميلة ستبدو كأنها قد وضعت في السجن أو بداخل قفص حديدي!

          ضحك الأب لتعليق سارة الذكي وقال: لقد سجنا الطبيعة لنحميها من شرورنا يا سارة، انظرا الآن، هذا الجزء الصحراوي من المحمية وفيه تضاريس متنوعة وكثيرة، هل تريان تلك الكتل الصخرية المرتفعة، هنالك الكثير أيضا من الكثبان الرملية وفي الجزء الشمالي الغربي من المحمية يوجد منخفض تبلغ مساحته 16كم2 تقريبا ويسمى وادي (أم الرمم) تنمو عنده نباتات القرضي والأرطة ولا تنمو في أي مكان غيره من المحمية، كما أن أعشاب العرفج التي ترونها هذه كادت تنقرض من صحراء الكويت لكنها الآن تغطي 85% من مساحة المحمية ونبات الرمث يغطي مساحة 10% كانت هذه النباتات قديما تستخدم وقوداً لإشعال النيران للتدفئة وطهي الطعام، وكانت تتجدد حياتها لأن العشب الجاف كان يُقتلع منها أما جذورها الرطبة فكانت تظل محمية في التربة حتى تنمو من جديد وعندما زاد عدد مرتادي البر وكثرت أعداد السيارات تم تدمير التربة التي كانت تتغذى عليها هذه النباتات مما أدى إلى ندرتها.

          وسألت سارة: كم يبلغ عدد النباتات في هذا الجزء من المحمية يا أبي؟

          وأجاب الأب: يبلغ عددها تقريبا 87 نوعا من النبات كما تم العثور حاليا على نبات كان قد انقرض كليا من صحراء الكويت يسمى (العلندة) كان آخر مرة قد شوهد فيها سنة 1966 وهذا النبات مفيد في علاج الربو والأزمات الصدرية والتهابات الأنف والشعب الهوائية، كما يوجد نباتات الثندى والعنصيل وأشجار طلحة وغيرها من النباتات الأخرى.

          لاحظ سالم حركة عند أحد الأعشاب فضغط كاميرته بسرعة، كانت سحليتان تزحفان على الأرض حتى اختبأتا في جحر أسفل الأعشاب وعلق الأب: لقد تم التعرف على واحد وعشرين نوعاً من الزواحف في المحمية منها السحالي التي صورتها يا سالم وكذلك الثعابين والضبان والورل والحرباء، كما تم تسجيل اثنين وعشرين نوعاً من الثدييات، سبعة أنواع منها مهددة بالانقراض مثل ثعلب الفنك والقنفذ طويل الأذن وغرير آكل العسل.

          كانت الشمس تميل للغروب عندما امتدت جولة الأب مع ابنيه بعيداً عن الخيمة ومع نسمات الغروب الهادئة اخترقت أنوفهم رائحة كريهة وعندما تلفتوا حولهم ليروا مصدر الرائحة الكريهة هتفت سارة: انظر يا أبي هنالك الكثير من الديدان والنمل إنه يتجمع حول شيء ما.

          نظر الأب حيث أشارت سارة وقال: ها نحن مع أصدقاء البيئة من جديد، النمل وهذه الديدان تنظف الأرض من جيفة هذا الخروف الذي يبدو أنه ولد ميتاً قبل أيام، كان على صاحب الأغنام أن يدفنه في التراب ولا يتركه يلوث الهواء بهذه الرائحة النتنة.

          التقط سالم صورة للمنظر وعلق: شكراً لكم يا أصدقاء البيئة.

          قال الأب: لقد ابتعدنا كثيراً عن الخيمة والمخيمات حولنا بدأت تشعل أضواءها التي تعمل على مولدات الكهرباء، هل تسمعان ضجيجها.

          وقال سالم: نحن لم نحضر مولد كهرباء يا أبي فهل سنمضي الليلة في الظلام؟ ورد الأب: هذه المولدات تسبب التلوث السمعي وجمال البر يكمن في هدوئه وسكونه، وليله المظلم الذي ينيره القمر والنجوم، لكن لا تخشيا شيئا لقد أحضرت كشافا يعمل بالبطارية، ألستما جائعين؟

          وسألت سارة: هل سنشوي اللحم يا أبي؟

          ومال الأب إلى الأرض حيث كان صندوق من الخشب ملقى وقال: هذا الصندوق سيساعد على إشعال الفحم وهذه الأعواد الجافة التي انفصلت عن أعشابها ستكون رائحتها جميلة عند اشتعالها كما أن الفحم الذي اشتريته هو من النوع الأصلي والممتاز الذي لا يسبب التلوث للبيئة كالأنواع الرخيصة الأخرى التي تخلط ببعض المواد المصنعة التي تسبب الاختناق وتفسد الهواء وتسمم الطعام الذي يشوى عليها. تسابق الأب مع أبنائه في تسلق التل الرملي والعودة الى الخيمة، الا أن سارة كادت تتعثر بشيء أسفل قدميها وعندما أرادت تفاديه التفت ساقها وسقطت على الأرض فأسرع أبوها وسالم لمساعدتها ولكنها هتفت وهي تشير: طائر جريح، هل هو هدهد؟ كان الطائر قد انطوى على نفسه وبدا مستكينا وهو يرمقهم بنظراته الحزينة ونسمات الهواء تحرك تاج الريش الذي يزين رأسه كما أن طرف أحد جناحيه قد نزف وجفت الدماء على ريشه، تأمل الأب الطائر وحمله عن الأرض وقال: هذا ليس هدهد يا سارة إنه (قوبعة) أو طائر القبرة المتوجة، هو طائر مقيم وشائع في الكويت ويحب الأماكن الصحراوية المكشوفة مثل طيور الصرد، والعصفور الإسباني المهاجر والعقبان والحمام البري وغيرها من الطيور الأخرى.

          وقالت سارة بأسى: يا للمسكين كنت سأحطم عظامه لولا أنني رأيته في آخر لحظة.

          وقال الأب: لا عجب أنك لم تريه ياسارة فلونه يشبه لون الرمل ويصعب رؤيته إلا عند الاقتراب منه، وأعتقد أن سبب إصابته طلق ناري من بنادق الصيد، لحسن حظه أن الرصاصة أصابت طرف جناحه ولم تصبه في مقتل، البعض لا يهتم لأمر الطيور ويصطادها لمجرد التسلية فقط ولا يفكر أن وجود الطيور في منطقة ما هو مؤشر على سلامتها وصلاحيتها فالطيور إذا غابت عن منطقة ما دل ذلك على تلوثها أو على خطر فيها ينعكس حتى على صحة الإنسان، كما أن للطيور دوراً في القضاء على بعض الحشرات الضارة وهي تقوم أيضاً بنقل بذور النباتات من منطقة لأخرى فتساعد في زيادة الأشجار ولا تنسوا أن الطيور رمز الحرية والجمال في العالم.

          شعر سالم وسارة بالحزن للطائر وطلبا إلى أبيهما أن يسمح لهما بحمله إلى الخيمة.

          وقال الأب: لا شك في ذلك، إن الطائر بحاجة للماء والطعام ومعالجة جرحه هل نسيتما الحديث الشريف: (في كل كبد رطبة أجر)؟

          في الخيمة أسرع سالم وسارة وتناولا طبقاً وضعا فيه القليل من الماء وفتتا بعض الخبز والفواكه ووضعاها قرب الطائر الجريح، فيما قام الأب بإشعال النار وإعداد اللحم للشواء وكانت الشمس قد غابت وهبط الظلام وبدد خيوط الظلمة ظهورُ القمر باكراً والنجوم، وارتفع دخان الشواء مالئا أنفي سارة وسالم حين قال الأب: لقد كنت حزينة يا سارة لأنك لم تدخلي المحمية هذا اليوم، لكن عليك أن تشكري هذا الطائر لأنه سيسمح لك وسالم بدخولها!

          دهش سالم وسارة وسألا: وكيف ذلك يا أبي؟!

          أجاب الأب وهو يتلذذ بتناول قطعة من اللحم المشوي وقدم بعضها لسالم وسارة: عندما نعود غداً من رحلتنا، سنحمل هذا الطائر إلى الطبيب البيطري ثم سنقوم بتسليمه لمركز العمل التطوعي بمنطقة الشامية ليطلقوا سراحه في المحمية عندما يستعيد عافيته ولا شك بأنهم سيدعونكما للمشاركة في ذلك لأنكما أصبحتما من أصدقاء المحافظة على البيئة الطبيعية وكائناتها، وستحظيان بالكثير من الصور لموسوعتكما.

          ابتهج سالم وسارة وهتفا بصوت واحد: تتر لا لا لم لم لم!

 


 

لطيفة بطي   

 




صورة غلاف هدية العدد