الحلمُ الورديُّ

الحلمُ الورديُّ

رسوم: عفراء اليوسف

جَلسَتْ مَرامُ على مقعدِ الدراسةِ. تعبثُ بخصلةٍ متدلـِّيِةٍ من شَعرها. وهي شاردةٌ, تبحثُ عن الحُلمِ الذي زَارَ مُخَيـِّلـَتـَها ليلةَ البارحة. لكـِّنـَّها لـَمْ تـَسْتطِعْ تذكـُّرَهُ.

نَظرَتْ أمَامَها. صَدِيقـَتـُها ناهدُ تجهِّزُ اللوَحَ لحصَّةِ الرياضِياتِ. ناهدُ كتبَتْ تاريخَ اليوم, وعنوانَ الدرسِ. بدأتْ بـِرَسْمِ الدائـَرةِ. ما إنْ انتهَتْ. حتى صَاحَتْ مرامُ بـِفَرَحٍ: تذكـَّرَتُ الحلمَ. شكراً لكِ ياناهدُ. حُلمي فيه شمسٌ. نعم الدائرةُ هي مِنْ ذكـَّرتني بهِ.

تعالي يا ناهدُ لأقصَّهُ عليكِ.

عندما سَمِعَها أصدقاؤها, تَذكـُرُ كلمةَ الحلمِ. تسابقوا للجلوسِ قربَها. تجمَّعُوا حَولـها. وهم يقولونَ: احك لنا الحلمَ يا مَرامُ. لنسمَعَهُ جَميْعاً, ونـُفسِّرَهُ لكِ. الفتياتُ التصقنَ بها. إحداهن وضَعَتْ يدَها على كتفِها, وأخرى راحَتْ تلعَبُ بخصلاتِ شعرِها, وثالثةٌ مَدَّتْ جَسَدِها مِن المقعدِ الخلفيّ, وحَشَرَتْ رَأسَها بين رؤوس صديقاتِها. ثلاثةٌ من الأصدقاءِ كانـُوا يجلِسونَ في المقـَعدِ الأماميّ استدارُوا للاستماعِ إليها. أمَّا ناهدُ فقدْ جلسَتْ على طاولةِ مقعدِ مرامَ, وأسندَتْ رأسَها على كتفِ إحدى صديقاتِها, مبديةً اهتماماً كبيراً لسماعِ الحلمِ.

قالتْ مرامُ:

لقد حلمْتُ ليلةَالبارحةِ بحلمٍ غريبٍ جدَّاً: حَلمْتُ أنـَّني أسيرُ في مدينةِ ألعابٍ كبيرةٍ. المدينةُ ملأى بالأطفالِ والألعابِ الغريبةِ التي لا أستطيعُ وصفَها.

قالتْ ناهدُ حاولي.

قالتْ رَشا: دعوها تـُكملُ دونَ مقاطعةٍ. وماذا بَعْدُ؟

تابعَتْ مرامُ بلهفةٍ: في ساحةٍ واسِعَةٍ وَقفَ أستاذُ الرسمِ. نعم. أستاذنا. التفَّ حولهُ عددٌ كبيرٌ من الأطفالِ. بدا الأستاذُ طويلاً أكثرَ من المعتادِ. أخَذََ يَبتسمُ. وبين يديهِ تدورُ كـُرَةٌ حَمرَاءُ لامِعَةٌ بـِحَجْمِ جَوزَةِ الهندِ (وِشكـَّلتْ مرامُ بيديها وضعيةَ مقدِّرةً حَجْمَها) قالَ وهو يَرْفـَعُها إلى الأعلى:

انظرُوا جَميعاً هذهِ إحدى ألعابِ المُفرقعاتِ. سأرميها نحوَ الأعلى. بعدَ لـَحَظاتٍ سَتـَنفجِرُ. وتـَسمَعونَ أصواتَ مُفـَرْقعاتٍِ غريبةٍ من نوعِها. تشبهُ رنينَ الأجراسِ. سَوفَ تتناثرُ منها كـُرَاتٌ عَجينيةٌ صغيرةٌ. عندما تـَسْقطُ الكـُرَاتُ على الأرضِِ, ستتحَوَّلُ إلى أشياءَ جَميلةٍ, على شَكلِ رَقائِقَ صُلبةٍ. وكلُّ طفلٍ تسقـُطُ قـُرْبَهُ واحِدَةٌ سَتصْبحُ ملكاً له.

انجذبَ الأصدقاءُ إلى حلمِ مَرام. يُحَدِِّقونَ بها, وهم متلهـِّفونَ لِسَمَاعِ النهايةِ.

مَرامٌ أدْرَكَتْ أنَّ حلمَها, دَخَلَ قلوبَ أصدقائِها, ونالَ إعجابَهم. تابعَتْ: لمْ أدرِ كيفَ اختفى الأستاذُ, والأطفالُ. فقط رأيْتُ الكـُرَة الحَمْراءَ تـَرْتــَفِعُ في السماءِ. لم يكنْ في الساحةِ غيري. سَمعْتُ أصْواتَ مُفـَرْقـَعاتٍ. نـَعَمْ تـُشبـِهُ رَنينَ الأجْرَاسِ, بلْ لأقـُلْ رَنينَ الأساورِ الذهبيَّةِ.

بَعدما انفجرَتْ الكُرَةُ الحَمْرَاءُ, سَقطـَتْ واحِدةٌ من الكـُرَاتِ التي تـَنـَاثـَرَتْ منها على رَأسي. نـَظـَرْتُ إلى الأعلى. رَأيْتُ الكـُرَةَ تـَتـَمَددُ في الفـَضَاءِ. وقد شـَكـَّلتْ نـَجْمَةً فِضـِّيةً صَغيرةً. ارتفعَتْ عالياً تـَلمعُ في السماءِ. لم أدرِ: كيفَ أصبحَ الوقتُ ليلاً؟! لأنَّ النجْمةَ كانَتْ تلمعُ في الظلامِ بشكلٍ لافت للنظرٍ.

فجأةً سمعْتُ رَنيناً آخرَ. كـرَةٌ ثانيةٌ اصطدمَتْ بقدمي. نـَظرْتُ إلى الأسْفل. الكـُرَةُ كانَتْ تقفزُ حَولي. ثم تـَحوَّلتْ إلى قـُرصٍ أزْرَقٍ لامعٍ بحَجْمِ الرغيفِ. ولهُ خـُيوطٌ مُتدلـِّيةٌ من أطرافهِ.

لقد أصبحَ وجهُ مَرام غـَريبَ المَلامِحِ, وعَيناها زَائغتين. وهي تتابـِعُ رِوايَةَ الحلمِ: انحنيْتُ. أمسكْتُ بالقـُرصِ. شَعرْتُ بِالخوفِ لأنـَّهُ كانَ سَاخِناً. شَيءٌ ما جَعَلني أعْجَبُ بِهِ كـَثيراً, وأنا أقلـِّبَِهُ بين يَديّ : لقدْ كانَ مَحْفوراً عَليهِ, وباللغةِ العَربيَّةِ: كـَلِمَةَ (الشمس) مُخَططةً بِشكلٍ مُدهِشٍ. ومن كِلا الجانِبين.

لقد فَرِحْتُ بالقـُرصٍ كـَثيراً. تَمَتـَّعْتُ بـِنـُعومَةِ مَلمَسِهِ. عندما رُحْتُ أهزُّهُ, كَانَ يَتمايلُ طريـَّاً. فجأةً أصبحَ صُلباً وبَارِدَاً, استقامَتْ خيوطـُهُ مِثلَ أشعَّةِ الشمسِ. صرْتُ أقفزُ في مكاني كـَعصفورٍ, يَتدرَّبُ على الطيرانِ.

نَظرْتُ حَولي. الوقتُ نهارٌ. رفعْتُ رأسي عالياً. كانَتْ النجمةُ لاتزالُ تلمعُ في العَتمةَِ. ما سِرُّ هذا الاختلافِ؟ الليلُ والنهارُ في وقتٍ واحدٍ؟! كانَ الأمرُ غريباً.

نظرَتْ مرام في وجوهِ أصدقائِها, كانتِ العيونُ قد شردَتْ, وتاهَتْ مَعَ الحلمِ.

الأصدقاءُ ابتعدوا عنها بحركاتٍ متراخيةٍ, وهم لايزالون جالسين حولها.

شعرَتْ مرامٌ أنَّ كلَّ واحدٍ منهم, خَطفَ حلمَها, ورَاحَ ينسجُ لنفسِهِ حلماً جديداً يُحِبُّهُ. مُفَرْقعَةٌ يحوِّلها إلى شكلٍ يحلمُ أنْ يصبحَ ملكاً له.

سألتْ مرامٌ ديمةً:

بماذا تـَحلـُمينَ يا ديمةُ؟

هزَّتْ ديمةٌ رأسَها فجأةً, وقدْ صَحَتْ من شُرودِها. قائلةً:

ماذا قـُلتِ؟

أعادَتْ مرامٌ سؤالـَها.

ـ حَلـِمْتُ: أنَّ الكرةَ التي ارتمَتْ أمامي, تحوَّلـَتْ إلى زهرةِ ياسمين.

قالـَتْ مرامُ , وأنتِ يا مايا؟

ـ أنا حظيْتُ بقطعةٍ. تشكـَّلـَتْ على هَيْئةِ سفينة.

قالـَتْ رؤى: أمَّا أنا فكنْتُ ألعبُ بقطعةٍ على شكلِ أرنبٍ أبيضَ.

قالتْ ناهد: ما أجملَ العصفور الذي ربحْتـُهُ! كانَ بلونِ العشبِ اللامعِ.

قالَ زين: أنا حلمْتُ أنني أملكُ كرةً تشبهُ كرةَ أستاذِ الرسمِ.

قالَ رامي: وأنا سرحْتُ بمدينةِ ألعابٍ غريبةٍ. أستطيعُ وصفَها لكم: تخيـَّلـْتُ بطَّةً كبيرةً لها عجلاتٌ ضخمةٌ تعومُ في بركةٍ واسعةٍ. وهي ملأى بالأطفال.إلى جانبها قطةٌ كبيرةٌ مصنوعةٌ من البلاستيكِ لها نوافذٌ كبيرةٌ, وتُصْدرُ منها موسيقى صاخبةٌ. هذا كلُّ ما تخيـَّلتـُهُ.

قالتْ مرامُ وهي تبتسمُ:

ما أجملَ خَطفــََكم لحـُلـْمي! الأجملُ من ذلكَ: أنْ نـَشترِكَ بحلمٍ واحدٍ, ونبادرَ إلى تفسيرٍهِ!

أنا كرتي تحوَّلـَتْ إلى شمسٍ زرقاءَ: فهذا يعني: أنـَّني أحلمُ بالنجاح, والمستقبلِ المُشرقِ.

ديمةُ تـَحَوَّلـَتْ كـُرَتـُها إلى زهرةٍ. قاطـَعـَتـْها مايا قائلةً: إنـَّها تحْلمُ بالرَّبيعِ. أمَّا أنا, فتحوَّلتْ كـُرَتي إلى سفينةٍ. يَعني أنـَّني أحْلـُمُ بالإبْحَارِ في عالـَمِ العلمِ والمعرفةِ.

قالتْ رؤى: وأنا امتلكـْتُ أرنباً أبيضَ. فكـَمْ أحِبُّ اللعبَ والانطلاقَ!

مَسَحَتْ ناهدُ خدِّيْها قائلةً: عُصفوري الأخضرُ يطيرُ نحو الحريةِ والسلام. وأعتقدُ أنَّ رامي يحبُّ كلَّ شيءٍ غريبٍ مثلَ حُلمِ مرام. لأنـَّهُ كانَ يحْلمُ بمدينةٍ غريبةٍ.

ضحكَ زينٌ قائلا ً: إذا أردْتـُمْ تفسيرَ حلمي. فسأقولُ لكم ـ ربما كنتُ أنانيـَّاً ـ إنـَّني أحلمُ بامتلاكِ جميعِ أحلامِكـُم.

ضحكَ الجميعُ لأنـَّهم شعرُوا بأنَّ زيناً محقٌ في حُلمِهِ. فمنَ الضروريِّ أنْ يكونَ الإنسانُ واسعَ الأحلامِ.

ارتفعَ شَغَبٌ في الصفِّ , وعَلـَتِ الضحكاتُ. شيءٌ ما جعلَ الهدوءَ يَعمُّ فجأةً: صوتُ نقراتٍ على البابِ. الآنسةُ تـُعْلِنُ بدايةَ الحصَّة.

 


 

سريعة سليم حديد