حكاية مسجد.. الجامع الكبير بصنعاء

حكاية مسجد.. الجامع الكبير بصنعاء

يعتبر الجامع الكبير في مدينة صنعاء باليمن أحد معالم التراث الإسلامي البارزة ومن الصعب أن يؤهل عالم يمني دون أن يكون قد تتلمذ في إحدى زوايا المسجد أو نهل من علوم ومعارف علمائه. وبغض النظر عن العراقة والفنون المعمارية الأصيلة التي يتميز بها الجامع الكبير، فإنه يعد أقدم مسجد في اليمن لا ينازعه حسب الرواة إلا جامع الجنــد في مدينة تعز الذي يقال إنه أسس معه في العام السادس للهجرة النبوية الشريفة.

اختلف الرواة في مَن بنى الجامع، فمنهم من يقول الصحابي معاذ بن جبل وآخرون يرون أن الذي بناه هو الصحابي وبر بن يحنس الخزاعي الأنصاري بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم.

يقول المؤرخون إن الرسول حين أرسل وبر بن يحنس والياً على صنعاء بعد موت باذان الفارسي قال له: «ادعهم إلى الإيمان، فإن أطاعوك فاشرع لهم الصلاة فإن أطاعوك فمر ببناء مسجد لهم في بستان باذان من الصخرة التي في أصل غمدان». ويقال إن المسجد عند اكتمال بنائه كان يحتوي على أربعة أعمدة ومازالت هذه الأعمدة موجودة حتى الآن عند المحراب، ويطلق عليها الناس حالياً المسمورة والمنقورة، وفي أواخر المائة الأولى من الهجرة حين تولى الوليد بن عبدالملك الخلافة أمر عامله في اليمن أيوب بن يحيى الثقفي بالقيام بتوسعة الجامع الكبير وإعادة بنائه بشكل محكم.

وفي خلافة بني العباس قيل إن عمر بن عبدالمجيد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب هو الذي أمر بوضع أبواب للمسجد، وتذكر بعض الكتب أن الجامع تهدم بعد سيل عظيم عام 335 هجرية وأعاد بناءه الأمير محمد بن يعفر الحميري، كما ذكر بعض الرواة أن الجناح الشرقي تم بناؤه بأمر السيدة أروى بنت أحمد الصليحي، ويلاحظ الزائر للجامع الكبير وفرة المواد والأحجار المنقوشة لعصور مضت، والتي تشكّل أعمدة الجامع وبعض سقوفه، وتعد المنطقة المحيطة بالجامع موقعاً أثرياً بالغ الأهمية، فهي تتكون من مبان منخفضة وبسيطة عبارة عن غرف وحمامات لخدمة الدارسين وطلبة العلم وتكتسب أهميتها من كونها جزءاً من وظيفة المسجد التربوية والتعليمية.

إن تاريخ مئذنتي الجامع الكبير يعود إلى العصر الأيوبي، أما المبنى المكعب المقبب الكائن في فنائه والذي خطط له أن يكون مستودعآً لمخطوطات القرآن الكريم، فقد تبرع به الوالي العثماني سنان باشا عام 1016 هجرية، ويرجح أن تكون القباب الفانوسية الثلاث الموجودة أمام المحراب عائدة إلى العصور العثمانية وتحت سقف الجامع توجد كتابات كوفية غاية في الروعة تعود إلى القرنين الثاني والثالث الهجريين، ويتبع الجامع الكبير حديقة واسعة تزرع بالبقوليات وأصناف الخضراوات.

وللجامع الكبير مكتبة ضخمة تضم أمهات الكتب في الفقه والمخطوطات القديمة والكتب النفيسة والخط الأصيل، وأشهرها مخطوطة القرآن الكريم بخط الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وتقع المكتبة التي شيّدت قبل مئات السنين في الجهة الغربية من الجامع، وقد بناها علي بن زيارة وجعلها ذات طابقين وقد شهدت توسعات عدة، وعليها أبيات من الشعر كتبت فوق لوح أمامها.

هاهنا المجد كنوز الجدود
وابتسام المجد في ثغر الوجود
هاهنا المكتبة الغراء قد حوت
كل مكنون طريف وتليد
تلتقي الأسفار فيها مثلما
تلتقي الأضواء في الفجر التليد

 

 


 

إعداد ورسوم: نجلاء شوقي