تاريخ النقود

تاريخ النقود

  • ما هي أشكال النقود القديمة؟

يختلفُ شكل النقود اليوم عن شكلها في الماضي. فإذا كانت النقود تصنع حاليا من الأوراق والمعادن، فقد صنعها القدماء في عصور مختلفة وأماكن متعددة من خاماتٍ غير مألوفة.

في هذه الصفحات سنتعرف كيف كان القدماء يستخدمون أشياء كثيرة لتؤدي وظيفة النقود في البيع والشراء والتبادل التجاري. فقد استخدموا الريش والمحار وحبوب الكاكاو، مثلما استخدموا الفضة والذهب وأوراق النقد.

حين نزور متاحف تاريخية متعددة نجد في أقسام منها عقوداً من الأصداف، أو أساور من اللآلئ، أو قلائد من أسنان الحيوانات، أو أشكالاً من الريش. قد يكون بعض هذه الأشياء استخدم للزينة، ولكن من المؤكد أن بعضها استخدم لقيمته المادية. فلم تكن هذه الأشكال سوى نقود بدائية بسبب قيمتها المادية في ذلك الزمان.

  • المقايضة

أكد المفكر اليوناني القديم أرسطو، قبل أكثر من 2000 سنة، أن الناس قبل استعمال قطع النقود المعروفة في عصره، كانوا يتبادلون الهدايا، ويسمونها (ميتادوسيس). وكانوا يعطون ما يتوافر لديهم مقابل ما يحتاجون إليه. هذا النظام اسمه (المقايضة). من بين المواد التي كانت تستخدم في المقايضة العنبر (الكهرمان) الذي وجد في أماكن غير الأماكن التي يستخرج منها، مما يدل على أنه كان يُحمل إلى مسافات بعيدة من أجل المقايضة.

  • تبادل السلع

أخذ كل مجتمع ينتج سلعًا (بضائع) بهدف المقايضة. فكان هناك من ينتجون الفؤوس الحجرية، أو قضبان الملح، أو أواني الفخار، ثم يأخذون هذه السلع من أماكن إنتاجها، إلى أسواق أخرى، ليأخذوا مقابلها سلعاً يحتاجون إليها.

  • أول القطع النقدية

ظهرت القطع النقدية الأولى (العُملات) في القرن السابع قبل الميلاد (أي قبل نحو 2700 سنة من اليوم). وكان ظهورها في آسيا الصغرى وفي اليونان. وتحولت صور النقود البدائية، مثل التي كانت في الهند عبارة عن مربعات معدنية عليها نقوش ورسوم، إلى عملات معدنية حقيقية.

  • تصميمات النقود الأولى

كانت صور الآلهة التي تؤمن بها الشعوب القديمة، وصور حكام تلك الإمبراطوريات، تُرسم على وجه النقود التي كانت تسك من المعادن المختلفة. ثم أضيفت بعد ذلك تصميمات تضمنت صدور العملات في مناسبات رياضية وسياسية، مثل الألعاب الرياضية الأولمبية، وتحركات الجيوش.

  • كنوز الإسكندر الأكبر

بعد غزوات القائد الحربي اليوناني الإسكندر الأكبر وحملاته العسكرية إلى أفريقيا وآسيا، استولى على كنوز معدنية كثيرة، تم تحويلها إلى نقود. كانت إمبراطورية روما في قارة أوربا تستخدم سبائك من البرونز لصناعة النقود، وفي القرن الثالث قبل الميلاد (أي قبل 2300 سنة تقريبًا)، بدأت تسك (تصنع) عملاتها الخاصة. ومنها ما صنع من الذهب الخالص. وبسبب الحملات الحربية اليونانية وتوسع نفوذ الإمبراطورية الرومانية انتشرت النقود في بلدان وحضارات أخرى.

  • نقودٌ تنمو على الأشجار

البحارة الإسبان الذين سافروا لاكتشاف القارة الأمريكية، ووصلوا إلى المكسيك، وكانوا يسمون الغزاة (الكونكويستادور)، دهشوا حين رأوا في تلك البلاد أن حبوب الكاكاو تُستخدم كعملة نقدية في البيع والشراء! كانت الكاكاو تزرع في ثلاث مناطق، شونتاليا وسوكونوسكو بالمكسيك، وحوض نهر أولوا بالهندوراس (المكسيك والهندوراس بلدان في شمال قارة أمريكا الجنوبية). إنتاج حبوب الكاكاو الثمينة كان بإشراف أصحاب الأراضي النبلاء، وكانت تكلفة إنتاجه كبيرة، لذا كانت قيمته مرتفعة قياسا بباقي السلع الأخرى. كانت شحنات حبوب الكاكاو تودع (تخزن) في (دور الكاكاو)، التي تشبه خزينة الدولة، أو البنك المركزي كما في الوقت الحالي. وكانت إمبراطورية الأزتك (التي حكمت وادي المكسيك) تبسط نفوذها على الشعوب في 38 إقليمًا، وكان إقليم سوكونوسكو يسهم بما مقداره 400 قدر من الكاكاو، من مجمل الضرائب على كل الأقاليم التي تصل إلى 980 قدرًا.

  • نقود من القماش

عاشت في المكسيك قبائل الأزتك والمايا، وقد استخدمت القماش لتقدير الأثمان. في مدينة «يوكاتان»، على سبيل المثال، كانت قطع قماش الكاشتلي (المصنوعة من القطن) تساوي 450 ساعة عمل. وكانت هذه القطع القماشية تُدفع مثل الضرائب، أو الجزية. وكانت قطعة قماش الكاشتلي تساوي تقريبا قيمة مائة حبة من ثمرة الكاكاو. الرحالة الأمريكي جون إل. ستيفنز قال في سنة 1842 حينما زار المكسيك: لاحظتُ أن حبات الكاكاو متداولة بين الهنود بوصفها نقودًا. ولم تكن هناك عملات أقل من نصف ريال. لذلك كانت الأجور تدفع للعمال الفقراء من الكاكاو، بديلا للعملات المعدنية الصغيرة.

  • بيوت الحلزون.. نقود من الأصداف

الحلزون حيوان بحري رخو، يوجد في المناطق البحرية الواقعة بين مدار السرطان، ومدار الجدي. وتعيش حيوانات الحلزون في بيوتٍ من الأصداف، وهي لها أشكال متنوعة، وأطوال مختلفة، وتصميمات رائعة، ويبلغ عددها ثلاثمائة نوع! وقد استخدمت الأصداف في قارة أفريقيا مثل النقود في مملكة الكونغو (غرب قارة أفريقيا). كان أكثر الأنواع استخدامًا ما يسمى «أوليفانسيللاريا نانا»، وكان يُجمع بالقرب من المنجم المالي لملوك الكونغو، قبيل وصول البحارة والمستعمرين البرتغاليين إلى هذه المنطقة الأفريقية في أواخر القرن الخامس عشر. واستعملت شعوب حوض نهر الكونغو (شعوب الأوليه، والنجيليما والتسامبتسو والأوبا والكويو والأيبوى والأكوا) هذه الحلزونات في المبادلات التجارية.

  • صفقات القواقع

الصفقة هي عملية بيع وشراء. وقد عرفنا أن الأصداف استخدمت كالعملات قديماً في أفريقيا. وقد ظل (استمر) استخدام القواقع والأصداف حتى القرن التاسع عشر الميلادي. المستكشف الفرنسي لوي جوستاف بنجيه إبران، كان قد وصل شمال غانا (بقارة أفريقيا)، وفي السوق عرف أن قيمة قرعة الملح تساوي 2000 صدفة، وقيمة مائة جوزة من جوزات الكولا تساوي ألف صدفة، ولذلك بادل بائع مائتين من جوزات الكولا مقابل قرعة ملح واحدة!

  • النقود العربية

في بداية القرن السابع الميلادي، وفي عصر الرسول الكريم، محمد عليه الصلاة والسلام، لم يكن للعرب نقودٌ يستخدمونها، وإنما استخدموا المقايضة، وكانت الجمال (الإبل) للبدو في الصحراء هي معيار الثراء. وفي المدن التي كانت تزدهر بها التجارة، مثل مكة المكرمة، والمدينة المنورة، حيث كانت تأتي إليها القوافل في الشتاء والصيف، استخدمت العملات الأجنبية، مثل الذهب البيزنطي والفضة الفارسية، لإبرام الصفقات المهمة. وبعد الفتوحات الإسلامية وضم سورية وفلسطين ومصر إلى الإمبراطورية الإسلامية (بعد أن كانت تحت حكم الإمبراطورية البيزنطية في أوربا)، وضم الممالك الآسيوية في الشرق (التي كانت تخضع لإمبراطورية الفرس الساسانيين)، اعتمد المسلمون النقود التي كانت تستخدم هنا وهناك، بعد أن أضافوا إليها عبارة «باسم الله» باللغة العربية.

  • مولد الدينار والدرهم والفلس

في سنة 696م، أي في أواخر القرن السابع الميلادي، بدأ الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أولى خطوات سك نقود بنقوش عربية. وقد استخدم ذلك النظام في كل أرجاء الدولة. وكان هناك الدينار الذهبي (وزنه 4.3 جرام)، الذي يستخدم في الصفقات المهمة والتجارة الضخمة. واستخدم الدرهم الفضي (وزنه 2.8 جرام) في دفع المرتبات والضرائب. واستخدم الفلس النحاسي في شراء الحاجات اليومية. وقد تغيرت أسعار العملات الثلاث، بتغير أسعار المعادن (الذهب والفضة والنحاس) المصنوعة منها. في البداية كان الدينار الذهبي يساوي عشرة دراهم، ولكن قيمته ارتفعت حتى وصل إلى 20 درهما في بعض الأوقات. وكانت قيمة الدرهم متقلبة، فأحيانا تصل إلى 16 فلسا، وأحيانا ترتفع إلى 24 فلسا، نظرًا لاختلاف وزنه من منطقة إلى أخرى. وجاء الدينار خلفا ومنافسا للسوليدوس البيزنطي، وأخذ اسمه من (الدينارديوس) اللاتيني، واستمد الدرهم شكله واسمه من (الدراخمة) الفارسية، وكان الفلس الترجمة العربية للفوليس البيزنطي. كانت الدنانير في البداية تسك فقط في دمشق عاصمة الأمويين، وكانت الدراهم تسك في دمشق ومدن الحضارة الإسلامية الكبرى، مثل قرطبة (بإسبانيا اليوم)، والسند (في باكستان)، وبلخ (في أفغانستان).

  • نقود لكل بلد

في القرن الثالث عشر الميلادي جاءت غزوات جيوش المغول من شرق آسيا كي تدمر الشرق الإسلامي، وسرقت هذه الجيوش مدينة بغداد، وانهار نظام الدينار الذي أسسه الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، وأخذ كل بلد يصنع نقوده الخاصة. ولم تظهر نقود مشتركة بين دولة المسلمين إلا عندما أنشئت الإمبراطورية العثمانية. وكان النقد العثماني يتكون من «الأكتش» المصنوع من الفضة (وزنه 1.2 جرام، أو 8 أجزاء من الجرام لاحقا)، وأضيف إليه في سنة 1748 ميلادية السلطاني الذهبي، وقد استخدمت هذه النقود من الجزائر في شمال أفريقيا إلى تركيا، وبلاد البلقان في أوربا. لم تكن النقود العثمانية تحمل صوراً، لكنها كانت تحمل نقشا بخط الطغراء بأسماء السلاطين وألقابهم. ولكن هذا النظام انهار بعد تدفق الفضة القادمة من المناجم الأمريكية الجنوبية التي اكتشفتها إسبانيا.

  • تزييف النقود

حتى لا تفقد النقود قيمتها، يجب أن تكون سليمة، في الوزن، والمكونات، وإن لم تكن كذلك، فهي نقودٌ مزيفة! في الماضي كان من السهل تزييف النقود، لأن صناعتها وسكها كان سهلا. أما اليوم، فيمكن التحقق من سلامة العملات المعدنية والورقية بأجهزة خاصة تجعل من السهل اكتشافها. حين تزور البنوك ستجد الصراف يمرر ورقات النقد الأجنبي، مثل اليورو الأوربي، والدولار ألأمريكي، في ماكينة كشف تضيء وتصدر صفيرًا إذا كانت العملة غير سليمة.

  • العملات السائدة

في كل عصر تكون هناك عملة سائدة، يمكن تداولها في بلادها وخارج بلادها. وقد قرأنا في السطور السابقة عن العملات في الحضارتين اليونانية، والإسلامية، واستخدام العملات في بلدان الإمبراطوريات المختلفة. وفي القرن التاسع عشر كان الجنيه الإسترليني الذي صدر في المملكة المتحدة هو العملة الدولية الأجنبية الأولى في العالم. ولم تبدأ سيطرة الدولار الأمريكي إلا في القرن العشرين. أما اليوم فقد دخلت عملة اليورو التي تتداول بها بلدان أوربا حيز المنافسة. السياح المسافرون يستخدمون العملات العالمية السائدة (الجنيه الإسترليني البريطاني أو اليورو الأوربي أو الدولار الأمريكي) في أداء المعاملات في فنادق ومتاجر العالم. الكثيرون من المسافرين والتجار اليوم لا يحملون نقودًا ويكتفون باقتناء بطاقات ذكية تصدرها البنوك يمكن الدفع بها وسحب الأموال من أي مكان في العالم. وهذه البنوك ترتبط بشبكة الإنترنت مع كبرى الشركات والفنادق ومنافذ سحب النقود.

حين تمسك عملة بلادك في المرة القادمة، وتتأمل النقوش فيها، وتدرس الرسوم عليها، تذكر أن هناك تاريخاً طوله ثلاثة آلاف عام يقف وراء كل عملة ورقية ومعدنية.
---------------------------------
المقايضة : مبادلة بضاعة بأخرى، كأن تشتري سجادة مقابل آنية فخارية.
قرعة الملح: آنية من القرع مملوءة بالملح.
تقاس قيمة العملات اليوم مقابل الذهب.
السائدة : المنتشرة بقوة.

 


 

إعداد: أميرة غريب

 




غلاف هدية العدد























الاسكندر الأكبر على وجه عملته





كليوباترا وأنتونيو على وجهي عملتين يونانيتين

































































آلة كشف تزوير النقود





مطبعة النقود في أوروبا