واحة الفن الجميل.. نابليون بونابرت يتسلق جبال الألب.. بقلم: أحمد واحمان

واحة الفن الجميل.. نابليون بونابرت يتسلق جبال الألب.. بقلم: أحمد واحمان

لم تمنع الأمطار الغزيرة المتهاطلة هذا اليوم من شهر مارس 1949 المدعوين من الحضور في الحفل البهيج الذي نظمه «المتحف الوطني لقصر مالمزون» (فرنسا) تكريما للأميرة «أوجيني بونابرت» التي أهدت للمتحف هذه اللوحة الرائعة من إنجاز الرسام الفرنسي «جاك لويس دافيد» (Jaques Louis David) والتي تمثل الجنرال نابليون بونابرت، إمبراطور فرنسا (1769 - 1821) على صهوة جواده، تحمل عنوانا لها في سجل التحف واللوحات الفنية: «القنصل الأول، نابليون بونابرت يجتاز عنق جبل «سان برنار الأكبر» بجبال الألب».

كانت القاعة الشرفية في المتحف غاصة (مليئة) بالمدعوين هذا اليوم، وكنت أحدهم، إذ شاءت الأقدار أن أكون إبان العطلة المدرسية لشهر مارس في ضيافة خالي محافظ هذا المتحف.

بعد مضي نحو نصف ساعة على وجودي بمعية أبناء خالي في المتحف، فرحين بهذه اللحظة التاريخية التي سنعيشها، أعلن قائد الحرس للملأ وصول موكب الأميرة، ثم دخلت الأميرة القاعة، وهي سيدة مسنة في الخامسة والسبعين من العمر، وقامت بإزاحة الستار عن اللوحة مع تصفيق الحاضرين.

يظهر في اللوحة الفرس الأبيض في وضعية الوثبة وكذا حركة اليد الذي تمسك بلجامه بحزم متحكمة في انطلاقته يعبران عن روح القيادة القوية التي كان بونابرت يتمتع بها، كما أن شكل ارتماء معطفه على كتفيه يعزز الشعور بهذه القوة والحزم، مع حركة يده اليمنى المرفوعة إلى الأعلى وسبابته التي تشير إلى التقدم نحو الأمام والصعود نحو أعلى الجبل في إشارة أمر إلى جنوده لتسلق الجبال الوعرة وعبورها نحو إيطاليا. كما أن عيني الحصان الخائفتين وصهيله يعاكسان هدوء نابليون وثقته بنفسه، مزهواً بمعطفه المرصع بالنياشين والقلائد، حاملاً سيفاً طويلاً بغمد مذهب، كما يمكن أن نرى بين قوائم الحصان طابوراً من الجنود الذين يبدو عليهم الإعياء كما يشير إلى ذلك الإحساس بثقل حركتهم، يتقدمون برؤوس محنية من فرط الإرهاق والبرد يجرون مدفعاً.

أعترف لكم بأنني منذ أن تعرفت على هذه اللوحة وعلى هذا الرسام، تعلقت بشخصية «نابليون بونابرت» وأدمنت قراءة سيرته كما كتبها المؤرخون، وسجلت الكثير من حكمه وأقواله ومن أقربها إلى نفسي : «خير وسيلة لدحر الصعاب اختراقها» و «بالإبرة تستطيع أن تحفر بئرا».

  • الرسام الفرنسي «جاك لويس دافيد»

الفنان جاك لويس دافيد ولد في باريس 30 أغسطس 1748 وكان من أشد المعجبين بنابليون بونابرت، خصوصا بعد انتصاره في الحرب على النمسا سنة 1796، ووجد فيه سمات البطل الأسطوري. وأنجز له عدة صور شخصية، من جملتها هذه اللوحة، واستحق على إنجازاته هذه تسمية «الرسام الرسمي المعتمد لدى الحكومة الفرنسية» من قبل نابليون، وعاش في محيطه إلى أن انهزم «نابليون بونابرت» في معركة «واترلو»، لتعود فرنسا إلى الملكية ويتولى «لويس الثامن عشر» الملك، الذي ما إن تمكن من زمام الأمر بالبلاد، حتى بدأ في طرد المقربين من نابليون وكان من بين الضحايا الرسام «جاك لويس دافيد» الذي طلب اللجوء إلى إيطاليا لكن طلبه قوبل بالرفض، ليستقر ببروكسل (عاصمة بلجيكا)، وبها قضى بقية حياته وأنجز آخر أعماله، وهي لوحة تحمل عنوان: «المريخ مجرد من السلاح من قبل فينوس» 1824 ذات الثلاثة أمتار علوا.

 


 

أحمد واحمان

 




لوحة «القنصل الأول، نابليون بونابرت يجتاز عنق جبل «سان برنار الأكبر» بجبال الألب» زيت على قماش - (260 × 221 سنتيمتراً)





الرسام الفرنسي «جاك لويس دافيد»