الإسلام حضارة.. إعداد: فريد أبوسعدة
الإسلام حضارة.. إعداد: فريد أبوسعدة
دهاءُ السياسةِ صلحٌ يتكلفُ 300 ألفَ دينارٍ! رسم: ممدوح طلعت كان بين جعفر البرمكي وزير الرشيد ببغداد وبين والي مصر عداوة. وكان كل منهما مجانبا للآخر. واستغل هذا أحد المزوِّرين، فزوّر رسالة على لسان جعفر موجهة إلى والي مصر مضمونها أن حامل هذه الرسالة من أخص أصحابنا، وقد آثر التفرّج في الديار المصرية، فأريد أن تحسن إليه. ذهب المزوِّر بالرسالة إلى مصر، وعرضها على الوالى، فلما قرأها فرح بها، لكنه ارتاب فى الأمر وشك في الرسالة، فأكرم الرجل، وأنزله في دار حسنة، وقدم له ما يحتاج إليه، ثم أرسل إلى وكيله ببغداد وقال له: «وصل شخص من أصحاب الوزير جعفر بهذا الكتاب، وقد ارتبتُ فيه، وأريد أن تؤكد لي، هل هذا خط الوزير أم لا». ذهب وكيل الوالى إلى وكيل الوزير فى بغداد، وحدثه بالقصة وأراه الكتاب، فأخذه وكيل الوزير إلى الوزير. فلما وقف جعفر البرمكي على الكتاب علم أنه مزوّر عليه. وكان عنده جماعة من ندمائه ونوابه، فرمى الكتاب عليهم وقال لهم: أهذا خطي؟ فتأملوه وأنكروه، وقالوا: هذا مزوّر على الوزير. فعرَّفهم حقيقة الحال، وأن الذي زوَّر الكتاب موجود بمصر، وأن الوالى ينتظر عودة الجواب بحقيقة الأمر. وقال لهم: ما ترون؟ وكيف ينبغي أن نفعل في هذا؟ قال بعضهم : ينبغي أن يُقتل هذا الرجل حتى نحسم الموضوع، ولا يرجع أحد يتجرأ على مثل هذا الفعل. وقال آخر: ينبغي أن تقطع يمينه التي زوَّر بها هذا الخط. وقال آخر: ينبغي أن يوجع ضربًا ويُطلق إلى حال سبيله. وكان أحسنهم محضرًا من قال: ينبغي أن تكون عقوبته على هذا الفعل حرمانُه، وأن يعرف والي مصر بحاله ليحرمه، فيكفيه من العقوبة أنه قد قطع هذه المسافة البعيدة من بغداد إلى مصر، ثم يرجع خائباً. فلما فرغوا من حديثهم قال جعفر: سبحان الله! أليس فيكم رجل رشيد؟! قد علمتم ما كان بيني وبين والي مصر من العداوة والمجانبة، وأن كل واحد منّا كانت تمنعه عزّة النفس أن يفتح باب الصلح، فقيّض الله لنا رجلاً فتح بيننا باب المصالحة والمكاتبة، وأزال العداوة بيننا. فكيف يكون جزاؤه ما ذكرتم من الإساءة؟ ثم أخذ القلم وكتب على ظاهر الرسالة إلى والي مصر: «كيف حصل لك الشك في خطي؟ هذا خط يدي، والرجل من أعزّ أصحابي، وأريد أن تحسن إليه وتعيده إليّ سريعًا فإني محتاج إلى حضوره». فلما وصل الكتاب كاد والي مصر يطير من الفرح، وأحسن إلى الرجل غاية الإحسان، ووصله بمال كثير. ثم إن الرجل رجع إلى بغداد، فحضر إلى مجلس جعفر. فلما دخل سلّم عليه ووقع يقبّل الأرض ويبكي. فقال له جعفر: من أنت يا أخي؟ قال: أنا المزوِّر الكذّاب المتجرِّئ! فعرفه جعفر، وبشّ في وجهه، وسأله عن حاله، وقال له: كم وصل إليك منه؟ فقال: مائة ألف دينار. فقال جعفر: لازِمْنا حتى نضاعفها لك!
|