بائعُ القبعاتِ والقرودُ

بائعُ القبعاتِ والقرودُ

رسم: ممدوح طلعت

عم سعيد رجلٌ طيبٌ يصنع القبعات الجميلة البيضاء التي يرتديها الرجالُ عند العملِ أو الذهابِ للزيارات أو في الأعياد، وكان عم سعيد ينسج القبعات من الخيوطِ البيضاءِ الناعمة وتساعده زوجته في زخرفتها بخيوط ملونة لترسم أشكالاً جميلةً لتخرج القبعات بشكل أنيق وبمقاسات عديدةٍ تلائم أحجامَ الرؤوس المختلفة.

وفي نهاية أحد أيام الشهر وقبل مجيء العيد صنع عم سعيد وزوجته ما يقرب من خمسين قبعةً فوضعها في شنطةٍ كبيرة، وقال سأذهب غداً لبيعها في السوق وحتما سأربح مالاً كثيراً لأشتري لأولادي ملابس العيد والحلوى.

وعند الصباحِ الباكرِ استيقظ عم سعيد نشطاً فرحانَ، وحمل حقيبته التي بها القبعاتُ الجديدةُ على كتفه وخرج من المنزل وزوجته الطيبة تدعو له بالتوفيق، وأخذ يمشي ويمشي، وعندما شعر بالتعب قال سآوي إلى هذهِ الغابةِ المخضرّة وأنال قسطاً من النوم وبعدها سأواصل المشوار إلى السوقِ البعيدِ، ودخل الغابةَ، وعند أسفل جذع إحدى الأشجارِ الخضراءِ الكبيرة جلس على الأرضِ لسيتظلَ بظلِ الشجرِة البارد ويستجير به من شمس الظهيرة الساخنة، ووضع الحقيبة التي بها القبعات بالقرب منه وأسند ظهره إلى جذع الشجرة وغرق فى النوم.

ولم ينتبه عم سعيد إلى أن الأشجارَ أعلاه مليئة بالقرودِ الصغيرة الرمادية التي تقفز هنا وهناك، أخذت القرودُ تراقبه منذ دخوله إلى الغابة بصمتٍ ودهشةٍ، فهي لم تعتد مشاهدةَ الناس يدخلون الغابةَ التي تبعد عن القرية، وبعد أن استغرقَ عم سعيد في نوم عميقٍ، نزلت القرودُ الصغيرةُ من أعلى الأشجار وأخذت تحيط به وتنظر إليه بدهشة، ثم نظرت للحقيبة بجانبه وأخذت تلمسها وتدحرجها على الأرضِ إلى أن انفتحت فرأوا بداخلها القبعات البيضاءَ الكثيرةَ وأخذ كل منهم قبعةً وراح يتأملها، ثم نظروا لعم سعيد فوجدوه يضعها على رأسه، فقلدوه جميعا كما تفعل القرود ووضع كلُّ قردٍ قبعةً على رأسه الصغير، ثم صعدوا أعلى الأشجار سعداء بالقبعات.

وبعد مضي وقتٍ طويل استيقظ عم سعيد من نومه، وفرك عينيه وخاطب نفسه، لا بد أني نمت كثيراً فالوقت أوشك على موعدِ صلاة العصر، ونفض جلبابه بسرعة وانزعاج وعدل من وضع قبعته، وما إن انحنى لحمل حقيبته إلا واندهش لعدم وجود القبعات بها، ورفع الحقيبة وأخذ يفتش بداخلها مندهشاً، والتفت على يساره ويمينه فلم يجد لها أثراً وتساءل في استغراب «هل جاء لصٌ الى هنا وسرق القبعات؟ غير معقول فلم إذن ترك اللص الحقيبة؟»، وفجأة سمع صوتاً بأعلى الأشجار فرفع رأسه ووجد القرودَ الصغيرة الرمادية ترتدي القبعات على رؤوسها وتقفز من شجرةٍ إلى أخرى، أصيب بدهشةٍ كبيرة لما رآه، ثم شعر بغيظ وأخذ يصيح بها ويشير بيده «أعطوني القبعات، أعيدوها إنها لي»، فأخذوا يحركون أيديهم الصغيرة كما يفعل يقلّدون حركة يده ويصيحون يحاولون تقليد صوته، ثم رفع عدداً من الأحجار الصغيرة من الأرض وأخذ يرميهم بها لعلهم يخافون ويعيدون له القبعات إلا أن القرود قامت بقطف ثمارٍ صغيرةٍ من الأشجار ورموه بها، وفشل فى جعلهم يعطونه قبعاته وأخذ عم سعيد يفكر ويفكر «كيف أستطيع أن أقنعهم بأن يرجعوا لي القبعات؟!» وفجأة خطرت له فكرة وأخذ يقول «مادام أنهم يقلدونني فى فعل أى شيء كما هي عادة القرود التى تقلّد الإنسان، فسوف أقنعهم برمي القبعات»، ورفع يده الى رأسه وحمل القبعة التى يرتديها وأمسكها بيديه ونفخ فيها بفمه ثم رماها على الأرض، راقبت القرود ما فعله عم سعيد وما هى إلا ثوان قليلة ثم أخذت تقلده كما فعل، كل قرد رفع قبعته من على رأسه ونفخ فيها ورماها على الأرض من أعلى الشجرة، وتساقطت القبعات البيضاء كما الأمطار على الأرض هنا وهناك، فأسرع عم سعيد يجمع القبعات من على الأرض وينفضها من التراب ويضعها في الحقيبة وهو مبتسمٌ سعيدٌ بفكرته التي جعلت القرود الصغيرة تعيد إليه قبعاته، كما استطاع جمعها كلها بسرعة قبل أن تأتي القرود وتقلده فى جمعها! وأغلق حقيبته وحملها على ظهره وأسرع مبتعداً عن الغابة متجهاً إلى السوق.

وفي السوق باع كل ما يحمله، وعاد إلى البيت بالنقود لأولاده وزوجته لشراء الملابس والحلوى للعيد، ولم ينس أن يحكي لأسرته قصته الطريفة مع قرود الغابة.

 


 

شذى مصطفى