موسى وقلعة النجاح

موسى وقلعة النجاح

كم هي جميلة لبنان! طبيعة خلابة ساحرة وآثار فينيقية آسرة وكذلك إنجازات انسانية باهرة. في رحلتي لها.. قصدت الكثير من الأماكن السياحية ولكن استوقفني مَعْلمٌ وددت أن أطلعكم عليه بالخبر والصور.

على احد المرتفعات شاهدت قلعة تسمى «قلعة موسى» يحيط بها ورود ملونة وزرع أخضر وجرات طينية.. من بعيد لمحت رجلاً كبيراً في السن يقف عند مدخل القلعة وحوله شباب يتلقون منه التعليمات، منهم من يستقبل زوار القلعة ومنهم من يحرص على نظافة المكان... ما إن اقتربت من الرجل المسن حتى ارتسمت ابتسامة على شفتيه مرحبة بقدومي.. وبعد السلام والتحية، سألته: من بنى هذه القلعة؟ ولماذا بناها على هذا المكان الوعر؟

أجابني ووجهه لايزال باسما: أنا موسى.. أنا من بنى القلعة.. لتكون شاهداً على قدرة الإنسان على تحدي الصعاب.

من باب القلعة المتين دخلت ومعي موسى... وبي لهفة لرؤية ما تحتويه وفضول لمعرفة ما الذي حدث مع هذا الرجل ليبنيها.. فبادرته بالسؤال: كيف بنيت قلعتك وكيف استطعت أن تجعلها معلماً يقصده السياح؟

موسى: صديقتي.. القلعة بنيتها بإصراري على النجاح بعد أن استفزتني كلمات معلمي حين كنت تلميذاً صغيراً.. ففي أحد الدروس عجزت عن معرفة إجابة سؤال ما.. فما كان منه إلا أن ضربني بعصا طويلة ونعتني بالفاشل فسخر مني أصدقائي وضحكوا.. ما حدث دفعني إلى البحث عن النجاح خارج أسوار المدرسة.. فاتجهت الى العمل في الأماكن التراثية المحيطة بمنطقتي فساهمت بترميم القلاع وصف الآثار. وأثناء حديثه معي كنت أتمعن بالمجسمات الصغيرة التي صفت في الطابق العلوي من داخل القلعة، فيها تماثيل ارتدت الملابس التقليدية اللبنانية، وصور بعضهم الحرف البسيطة كالغزل وسن الحديد.. وعلى الرغم من انبهاري بها إلا أنني كررت سؤالي له قائلة:

عمّ موسى، إن قلعتك كبيرة، وعلى ما يبدو استغرقت وقتاً وجهداً كبيرين، متى بدأت ببنائها؟

موسى: في سنة 1962 اشتريت الأرض التي بنيت عليها القلعة بعد أن بلغت مدخراتي من عملي 15 ألف ليرة لبنانية، كان مبلغاً لا يستهان به! وها هي قلعتي اليوم تنتظر دخول موسوعة غينس للأرقام القياسية بما استغرقته من عمل شبه فردي قارب الـ (21900 يوم و394200 ساعة عمل).

موسى كان يتكلم معي بفخر كبير عن قلعته التي جعل منها وجهة سياحية لكل من يزور لبنان، واستطعت أن أعرف منه دافعاً آخر لبنائه القلعة، وهو عدم موافقة بنت الجيران على الزواج به لفقره وعدم تعليمه.

وجهني موسى للطابق السفلي للتجول والاطلاع على مجسمات عكس بعضها الفنون الشعبية كالرقص والدبكة وجلسات السمر، وعكس بعضها الآخر مقتنيات احتفظ بها موسى وحرص على عرضها للزوار ومنها أدوات بناء القلعة وبعض الأسلحة والبنادق.

وأنا أعتزم الخروج من القلعة لفت انتباهي بعض المقولات التي رصعت جدران القلعة حرص موسى على نقشها ليقرأها الزوار.

خرجت من قلعة موسى وأنا أخطط لبناء قلعتي في القريب العاجل.

 


 

زارتها: هذايل الحوقل