العالم يتقدم.. كوكبُ عُطَارِد.. ابنُ الشمسِ

العالم يتقدم.. كوكبُ عُطَارِد.. ابنُ الشمسِ

لو اقترب أحد رواد الفضاء في يوم ما من كوكب عطارد، لوصفه بأنه ذو سطح موحش نحاسي اللون تتخلله خطوط رمادية متجعدة، وبأنه يمتلئ بالفوهات والشقوق والحفر العميقة. وكوكب عطارد هو أقرب الكواكب إلى الشمس، اذ لا يبعد عنها إلا نحو 9.75 مليون كيلو متر، ولهذا يطلق عليه «ابن الشمس».

ويعد عطارد أصغر كواكب المجموعة الشمسية، حيث إن قطره يبلغ 4878 كيلو متراً، وهو يدور حول الشمس بسرعة كبيرة تبلغ نحو 48 كيلو متراً في الثانية الواحدة، لاقترابه الشديد منها وتأثره بجاذبيتها. ويتم هذه الدورة في 88 يوماً فقط.

كذلك يدور كوكب عطارد حول محوره دورة كاملة في نفس الفترة، التي يدور فيها حول الشمس، ولهذا فهو يواجه الشمس بوجه واحد بصفة دائمة، أي أن أحد وجهي عطارد نهار أبدي- حيث تصل درجة الحرارة إلى نحو 430 درجة مئوية وهي تكفي لصهر بعض المعادن كالقصدير- أما الوجه الآخر للكوكب فهو ليل دائم، حيث تنخفض درجة الحرارة إلى نحو 183 تحت الصفر! وهكذا يجمع كوكب عطارد بين نقيضين: إذ إنه أشد كواكب المجموعة الشمسية حرارة وفي نفس الوقت أكثرها برودة. إنه حقاً كوكب غامض يجب اكتشافه.

ثلوج عجيبة .. وسط النيران

في يناير 2008 اقتربت مركبة الفضاء «ماسينجر» التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، من كوكب عطارد وجمعت تشكيلة رائعة من المعلومات عن هذا الكوكب الغامض، وذلك بالتقاطها أكثر من 1200 صورة فائقة الوضوح. وهكذا تمتع العلماء بالنظر إلى أول صور جميلة وواضحة لكوكب عطارد منذ أكثر من ثلاثين عاماً. حيث قامت المركبة الأمريكية «مارينر 10» بزيارة الكوكب بين عامي 1974 و 1975. ولم تتمكن من رصد سوى جزء فقط من عطارد.

وتجري في الوقت الحاضر، دراسات وتحليلات علمية للصور الفريدة التي التقطتها المركبة الفضائية «ماسينجر» بأجهزتها المتطورة. وبدأت المفاجآت تتوالى بالفعل، واشتملت على وجود آلاف من الفوهات والصخور الشاهقة المنحدرة ودلائل على وجود براكين عملاقة وغلاف جوي رقيق من الهليوم والصوديوم وتكوين غريب يشبه عنكبوتاً هائلاً.

كما أظهرت بعض الصور التي التقطتها «ماسينجر» عند القطب الشمالي لكوكب عطارد، وجود ما يشبه الثلوج! مما أثار الدهشة الشديدة لدى العلماء، إذ كيف يحدث أن توجد ثلوج في قطب الكوكب الأقرب إلى الشمس. والتي تزيد درجة حرارته على أربعمائة درجة مئوية؟ الإجابة ببساطة، أن محور دوران عطارد يجعل أجزاء من الكوكب وهي المنحدرات العميقة وجوانب الشقوق والحفر والفوهات - دائماً في «الظل». وفي تلك المناطق القارصة البرودة من عطارد، يمكن ان تنخفض درجة الحرارة إلى مايزيد على مائة وثمانين درجة تحت الصفر!

عنكبوت.. فوق كوكب عطارد

أحد الاكتشافات البالغة الأهمية، لمركبة الفضاء «ماسينجر» ذلك الشكل الغريب الذي يشبه عنكبوتاً جباراً، وقد رصدته فوق سطح كوكب عطارد. وخلافاً للعنكبوت الحقيقي الذي ربما شاهدته يوماً، ولاحظت ان له ثماني أرجل فإن هذا التكوين العجيب له أكثر من خمسين رجلاً، على هيئة شقوق تمتد في جميع الاتجاهات من قلب مركزي ضخم معتم نسبياً، يحيط بفوهة هائلة قطرها نحو أربعين كيلو متراً، وهذا العنكبوت بأكمله يوجد داخل فوهة أخرى بالغة الضخامة تسمى «حوض كالوريس»، وهي من أشهر تضاريس كوكب عطارد، ويعد عنكبوت عطارد مختلفاً عن أي شيء آخر في المجموعة الشمسية. لكن كيف تكون هذا الشكل العنكبوتي العجيب؟ تسألني فأجيبك. لدى العلماء نظريات بهذا الشأن لكن الإجابة الحقيقية، لايستطيع أحد أن يجزم بها. وعلى كل إنسان أن يفكر ويخمن! ويأمل العلماء أن يتوصلوا إلى كل الإجابات، عندما تتخذ «ماسينجر» لها مداراً دائماً حول كوكب عطارد في مارس 2011.

وقد احتاج الأمر إلى نحو عشرين عاماً من الأبحاث الهندسية، لتطوير الخلايا الشمسية التي تزود «ماسينجر» بالطاقة والكاميرات الرقمية وأجهزة مقاومة لجاذبية الشمس الجبارة، والمظلات المصنوعة من قماش خاص مزود بطبقات رقيقة من الخزف للتعامل مع السخونة الزائدة على الكوكب، والكمبيوترات الفائقة التي تستخدم في التشغيل ولتصحيح الأخطاء.

ويأمل العلماء أن تؤدي المهمة العلمية للمركبة الفضائية «ماسينجر» إلى الكشف عن بعض أسرار كوكب عطارد.. فعلى سبيل المثال: لماذا نجد أن عطارد هو الكوكب الوحيد بخلاف الأرض بين الكواكب الداخلية (عطارد الزهرة الأرض المريخ) الذي له مجال مغناطيسي؟

وهل حقيقة ان كوكب عطارد حسبما يرى بعض العلماء تكون في حزام الكويكبات الذي يدور بين كوكبي المريخ والمشتري، قبل أن يتحرك إلى موقعه الحالي؟ ما هي المفاجآت التي تنتظرنا عندما نكتشف الجانب «المظلم» من كوكب عطارد؟ أسئلة كثيرة سوف نعرف الإجابة عنها بعد نحو ثلاث سنوات من الآن، عندما تتخذ «ماسينجر» مداراً دائماً لمدة عام حول كوكب عطارد.. ابن الشمس.

 


 

رؤوف وصفي