أبنائي الأعزاء

أبنائي الأعزاء

كل شعوب العالم تسخر من نفسها، ولكنها لا تطيق أن يسخر منها أحد، هذه هي طبائع البشر، فهي تبيح النقد فيما بينها، تسخر من عاداتها السيئة، ومن الغباء، ومن مشاعر الجشع والأنانية لدى البعض منها، ولكن إذا جاء غريب من الخارج ، وردد نفس الانتقادات، حتى ولو كانت بدرجة أخف، قامت الدنيا ولم تقعد، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الممثلين الهزليين الذين يقفون على خشبة المسرح ويقدمون عرضاً منفرداً يلقون فيه النكات والتعليقات الضاحكة، وهم من جنسيات متنوعة، فيهم الآسيويون والعرب والأوربيون، ولكن كل واحد يسخر من قومه فقط، ويقيم الحدود بينه وبين القوميات الأخرى، كأنه لا يريد إثارتهم أو اكتساب عداوتهم، وقد لفت نظري - على سبيل المثال - الممثل الهندي «عمر أجراول» الذي اتهم قومه بأنهم من أبخل شعوب الأرض، والدليل على ذلك أنهم الشعب الوحيد الذي اخترع «الصفر» أي اللاشيء، وهذا - بالطبع - اتهام ظالم، فهذا الصفر المنعدم القيمة هو الذي عدل كل العمليات الحسابية وجعل لها معنى، ومن دون الصفر لم يكن علم الرياضيات قادراً على التطور، والرياضيات هي العلم الذي بنيت عليه معظم المكتشفات الجديدة، ومن ناحية أخرى فالحرص الهندي معروف ومشهور، ويكفي أن نقول إنه في تلك الأزمة الاقتصادية الكبيرة، التي يشهدها العالم، فإن الهند لم تتأثر كثيراً، بل إنها تبحث الآن في كل أنحاء العالم عن المصانع التي أغلقت أبوابها بسبب هذه الأزمة، وتحاول أن تشتريها بأرخص الأسعار، ثم تقوم بعد ذلك بنقلها إلى الهند، هذا الأمر ليس بخلاً ولا شحاً، ولكنها طريقة جديدة في ممارسة الاقتصاد تجعل الدول ذات الاقتصادات، التي تنمو تتجنب الأزمات العالمية الطاحنة، بل وتحاول الاستفادة منها أيضاً.

 


 

سليمان العسكري





صورة الغلاف