من حكاياتِ الغابةِ.. السمكةُ الطموحُ

من حكاياتِ الغابةِ.. السمكةُ الطموحُ

رسم: رضوان الرياحي

في غديرٍ من الغِدرانِ كانت تعيش سمكةٌ ذهبيّةٌ طموحٌ. كانت تلك السمكة شديدة الفضول، تحبّ أن تتعرّف على كل شيء حولها، فكانت كثيراً ما تخرج رأسها من الماء فتنظر حولها، لترى الأشجار والأعشاب، ولتتأمل الحيوانات ذوات القوائم وهي تمدّ أعناقها إلى الغدير لتشرب من مائه، كما كانت ترفع عينيها إلى السماء لترى الطيور المحلقة في الأعالي.

في ذلك الغدير نفسه كانت تعيش بعض الضفادع والسلاحف المائية، وكانت السمكةُ الذهبيةُ تراها وهي تخرج إلى البرّ ثم تعود إلى الغديرِ، ورغبت بشدة في أن تحذو حذوها.

وذات يوم وبينما كانت تسبح قريباً من الشاطئ صادفت ضفدعةً وسلحفاةً تعودان إلى الماء بعد جولة بريّة، فقالت لهما:

- كم أودّ أن أخرج مثلكما إلى البرّ، فإنني أرى فيه متعاً كثيرة لا أعرفها.

فقالت الضفدعة والسلحفاة:

- إذا كنت ترغبين في ذلك فيمكن أن تتبعينا إلى البرّ القريب، ولكن حاذري أن تبتعدي أو أن تطيلي البقاء، لأن خياشيمك المائية لا قدرة لها على تنفّس الهواء. وتواعدا على مرافقتها في المساء.

عندما آذنت شمسُ النهار بالغروب، التقى ثلاثتهم عند الشاطئ، تقدّمت الضفدعةُ أوّلا، ثم تبعتها السلحفاة، وسرعان ما انضم إليهما ثعبان الماء، ثم زحفت السمكةُ الذهبية خلفهم منزلقة على بطنها وهي تقلد الثعبان، فلمّا وجدت حفرة صغيرة تجمّع فيها الماء بحيث يمكن أن تجعل خياشيمها نديّة استطابت البقاء، وتجمّع الرفاق الأربعة في البرّ القريب يتجاذبون أطراف الحديث. فأخذت الضفدعة والسلحفاة تشرحان للسمكة الذهبية ولثعبان الماء ما لم يكونا يعرفانه عن الحياة البريّة. وعلى الرغم من أن السمكة الذهبية كانت تتنفس بصعوبة، فقد نسيت في غمرة فضولها حاجتها إلى الماء لتتمكن من التنفس الطبيعي.

طلع القمر في ذلك المساء مكتملا، وامتدّ الحديث بين الرفاق الأربعة، تروي الضفدعة والسلحفاة مغامراتهما البريّة، وثعبان الماء والسمكة الذهبية يسمعان لهما بشغف وفضول، ولكن النعاس غلب عليها فلم تسمع بقية الأحاديث ولم تلاحظ انصراف ثعبان الماء وانقضى الليل وعادت الشمس إلى البزوغ.

كانت شمس النهار الجديد حامية فتبخّرت النداوة التي كان ينعم بها الرفاق، فلمّا شعرت الضفدعة بحرارة الشمس على جلدها الليّن قفزت بسرعة إلى الغدير، وتقدّمت السلحفاة عائدة إلى الماء وقد شعرت بجفاف الهواء من حولها، أمّا السمكة الذهبية فلم تستطع أن تزحف عائدة إلى الغدير كما جاءت منه، لأن الشمس كانت قد جفّفت التراب النديّ الذي انزلفت عليه منذ ساعات، كما أنّ خياشيمها المائية قد جفّت أيضا، وأصابها الإعياء وأدركت أنها على وشك الموت. ولكن فجأة وجدت حفرة صغيرة تنفتح في بطن الغدير الصغير. وازداد ارتفاع الماء فجأة وأصبح أكثر برودة، ومن القاع برز الرأس الصغير لثعبان الماء وهو يقول.. أيتها السمكة المسكينة كنت أعرف أنك ستكونين في ورطة. لذلك حفرت هذا النفق إلى الغدير.. هيا اتبعيني.

وغاصت السمكة خلفه في عمق الماء مرة أخرى. وقد أدركت أن طموحها ورغبتها في المعرفة يجب ألا يمنعاها من تأمين حياتها. لقد أصبحت صديقة مخلصة لثعبان الماء. وكانت تذهب للسهر مع بقية الأصدقاء، ولكنها كانت تنصرف دائما في الوقت المناسب.

 


 

مجدي بن عيسى