الحُلّةُ الجديدةُ

الحُلّةُ الجديدةُ

رسوم: هدى وصفي

دخلتْ «لجينٌ» إلى الفصلِ وهي تبتسمُ ابتسامةً عريضةً، وقد استقرت على أسنانِها أسلاكٌ فضيةٌ غربيةٌ، وفي لحظاتٍ التفتت الطالبات حولَها والدهشةُ تعلو وجوهَهن.

وانهالت عليها الأسئلةُ من كلِّ مكانٍ.

- ما هذا يا لجين.. ماذا تضعين على أسنانِك؟

- ما هذه الأسلاكُ؟ ألا تؤلمك؟

- إنها جميلةٌ جداً. مَن وضعها لك؟

وبدأت لجين تجيبُ على الأسئلةِ وهي تتباهى بضحكتِها الجديدةِ.

إنه جهازُ تقويم الأسنانِ.

سألت الطالبات: يا إلهي! إنه جميلٌ ويجعل أسنانَك غريبةً.. كيف وضعته؟

أجابت لجين: لقد وضعه لي طبيبُ الأسنانِ كي تصبح أسناني أجمل.

وانتشرت الطالبات في الفصلِ وهن يتهامسن عن هذا الجهازِ الغريبِ الذي يجعل الضحكةَ أحلى.

وحدها سلام وقفت تنظرُ إلى لجين والأسلاكُ الغريبةُ في فمِها وأعجبها جداً المظهرُ الجديدُ الذي يضفيه على الوجهِ (نيو لوك) كما تحبُّ أن تطلقه هي وصديقاتها على كلِّ مظهرٍ جديدٍ وحديثٍ ولافت للنظرِ.

لم تستطعْ سلام التركيز في حصةِ التاريخِ ولا حصةِ العربي. كان فكرُها مشغولاً جداً بهذا الجهازِ. لابد أن تحصل على واحدٍ يشبهه كي تكسبَ المظهر الجديد

وما إن انتهى دوامُ المدرسةِ حتى سارعت إلى البيتِ وبدأت تلحُّ على أمِها أن تأخذَها إلى طبيبِ الأسنانِ لكي يضعَ لها جهاز تقويم.

استغربت الأمُّ طلب ابنتها وقالت لها:

- أسنانُك سليمةٌ ومنسقةٌ وجميلةٌ.. خلقها الله لك على أكملِ وجهٍ. لماذا جهاز التقويمِ؟

- ماما.. أرجوك.. إنه يجعلني أبدو جذابةً وجميلةً وضحكتي غريبةً..

دُهشت الأمُّ من هذا التبريرِ الغريبِ للحصولِ على جهازِ التقويمِ، ونهرت (زجرت) ابنتَها:

هيا اذهبي إلى دروسِك واهتمي بها وكوني متفوّقةً وناجحةً.. هذا هو المظهرُ المتألقُ الذي أحبك أن تظهري به. وليس مجموعة أسلاك على فمكِ.

قضت سلام ليلَتها... قلقةً... متوترةً... لا يهنأ لها نومٌ ولا يغمض لها جفنٌ وهي تفكّر بجهازِ التقويمِ. ماذا تفعل وأمها ترفضُ طلبَها، تريد أن تصبح مثل (لجين).

فجأةً... خطرت على بالِها فكرةٌ غريبةٌ. بدأت تفتحُ الأدراجَ بحثاً عن سوارٍ فضيٍ جاءها هديةً في عيدِ ميلادِها. أخيراً وجدته. أحضرت مقصاً وحاولت أن تقصَّ السوارَ من منتصفِه. وبعد محاولات عدة قصّت السوارَ حتى صار بشكل حلقةٍ مفتوحةٍ. وبدأت سلام تركيب السوارَ الفضي على أسنانِها. جُرحت لثتُها أكثر من مرةٍِ لكنها أصرّت على تثبيتِه بحيث يصبح شبيهاً بسلكِ جهازِ التقويمِ.

أخيراً. نظرت إلى المرآةِ، وكم كانت فرحتُها شديدةً، وقد أصبحت أسنانُها شبيهةً بأسنانِ لجين.

دخلت سلام الفصلَ، وهي تبتسمُ ابتسامةً عريضةً، والسلكُ الفضيُّ مثبتٌ على أسنانِها، وعلى الرغمِ من الألمِ الذي كانت تشعرُ به إلا أنها تظاهرت بالابتسامِ، وأوهمت صديقاتها أنها حصلت على جهازِ التقويمِ عند طبيب الأسنانِ لتصبحَ ضحكتها أجمل.

وأخذت الطالبات يتهامسْن «لقد أصبحت ضحكةُ سلام جميلةً وغريبةً».

لا تعرف سلام كيف مضى دوام المدرسةِ من شدةِ الألمِ في أسنانِها ولثتِها.

وما إن حان وقت الانصرافِ حتى أسرعت إلى البيتِ وأغلقت بابَ غرفتها، حاولت أن ترفعَ السوارَ الفضي من فمِها، ولكن هيهات، السوارُ تشبّثَ بأسنانِها بقوةٍ، وانغرز في تجويفِ اللثةِ التي أصبحت حمراءَ ومتورمةً، وكلما حاولت شدّها ازداد نزيفُ اللثةِ، حتى لم تعد تطيق الألمَ، وبدأت سلام بالصراخِ والبكاءِ.

- أمي.. أرجوك أنقذيني.

ذُعرت الأمُ كثيراً لصراخِ ابنتها، وأسرعت إليها لتجدَ سلام في وضعٍ سيئ.

- ماذا فعلت بأسنانِك يا ابنتي؟

- آسفةٌ يا أمي.. أردت الحصولَ على ضحكةٍ غريبةٍ مثل صديقتي لجين فوضعت سواري الفضي على أسناني.

أسرعت الأمُّ بابنتِها إلى طبيبِ الأسنانِ الذي قصَّ الأسلاكَ بأدواتِه الخاصةِ ووضعَ المرهمَ على لثةِ سلام ونصحها قائلاً:

- إن جهازَ تقويم الأسنانِ هو جهازٌ علاجيٌ وليس للتجميل، نضعه على الأسنانِ المفتولةِ والمتراكبةِ وغير المنتظمةِ كي نعالجها ونعيدها إلى الإطباقِ الطبيعي.

أما أسنانُك يا سلام، فهي متناسقةٌ وجميلةٌ ومرتبةٌ ولا تحتاج إلى جهازِ تقويمِ.

اعتذرت سلام من أمِها والطبيب، واعترفت بخطئِها، وأسعدها مديحُ الطبيبِ لأسنانِها الجميلةِ، وشكرت الله على سلامتِها. واقتنعت بعد هذه التجربةِ المؤلمةِ أنها ليست بحاجةٍ إلى (حلة جديدة).

 


 

لينة الدسوقي