جيراننا العالم.. مَلِكٌ يخترعُ حروفاً

جيراننا العالم.. مَلِكٌ يخترعُ حروفاً

نحن نتحدث ونكتب، ونقرأ، باللغة العربيةِ. و(نحن) ـ في بداية الجملة السابقة ـ أقصد بها الشعوب العربية، المقيمة في الوطن العربي، كما أقصد بها ـ كذلك ـ أبناء هذه الشعوب المهاجرين إلى قارات العالم. لدينا كتاباتٌ عربية قديمة، وأهم هذه الكتابات، هي النسخ الأولى المخطوطة من (القرآن الكريم)، ولدينا أيضا كتابات نادرة رسمها خطاطون، وزينها فنانون، تضم محتوياتٍ علمية وأدبية وفنية. لم يَخترعْ أحدٌ اللغة العربية، لكنها تطوَّرت، لتصل إلى الشكل الذي يقرؤه ويكتب به ملايين العرب وقراء اللغة العربية اليوم.

لكن حروف اللغة الكورية، التي يكتب ويقرأ بها 60 مليون شخص، اخترعها الملك الكوري «سي جونغ»، مع فريق من علماء بلاده، سنة 1443 ميلادية. فقد كان الكوريون ـ قبل اختراع تلك الحروف الكورية الجديدة - يستخدمون الحروف الصينية في الكتابة، ولايزال بعضهم إلى الآن يقرأ بها. وقد أعطى العالم اللغوي «جو شيج يونج» حروف اللغة الكورية الجديدة، اسم «هان كول» أو «هان جول» في سنة 1913.

في اللغة الصينية، وفي اللغة الكورية القديمة، كان هناك معنى لكل حرف. أي كانت هناك آلاف الحروف المصورة التي تعبر عن المعاني الكثيرة. ولكن الحروف التي اخترعها «سي جونغ»، وأسماها «هيونمين جونغؤوم» تكونت من 28 حرفًا فقط، (11 حرفًا متحركًا و17 حرفًا ساكنًا) وقد أهملت بعد ذلك أربعة حروف فأصبح عددها 24 فقط (10 حروف متحركة و14 حرفًا ساكنًا).

بساطة «هان كول» وسهولة تعلمها ساهم في انخفاض الأمية في كوريا، وكذلك ساهم بزيادة الكتب المطبوعة في كوريا. حروف اللغة الكورية قليلة، لكنها تعتمد على الأصوات، لفهم المعاني، وعدد الأصوات فيها 12768 فهي اللغة الأكثر أصواتاً على مستوى العالم.

في سنة 1997 اختارت منظمة اليونسكو (اليونسكو كلمة بالحروف اللاتينية هي UNESCO وتعد اختصارًا لاسم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، وتأسست سنة 1945) أن تضع الأبجدية الكورية السابقة «هيونمين جونغؤوم» في قائمة التراث العالمي، وكرمت الملك «سي جونغ» العظيم فأنشأت اليونسكو جائرة باسمه في عام 1990 تمنحها لكل من يساهم في محو الأمية في مختلف دول العالم في التاسع من أكتوبر من كل عام. وفي سنة 1926 أقام اتحاد أبحاث اللغة الكوري الذي يضم علماء اللغة هناك احتفالا بمناسبة مرور 480 سنة على اختراع «هان كول». وبعد ذلك، وبداية من سنة 1940، اختير يوم 9 أكتوبر من كل عام ليكون احتفالا باختراع الحروف الكورية.

الشعوب القوية تحافظ على لغاتها، لكي تستطيع قراءة تاريخها، والاستمتاع بآدابها، ومطالعة فنونها. والشعوب الحكيمة تحتفل بمن يطوِّر لغاتها، وتكرم من يقضي على الأمية بين أبنائها.

 


 

بقلم وعدسة: أشرف أبو اليزيد

 




صورة الملك «سي جونغ» على العملة الكورية





لافتة تستقبلك بقصر الملك.. لافتات بحروف كورية في شوارع العاصمة «سيئول»





«شارع العرب» لافتة باللغتين العربية والكورية في مدينة «إنتشون»