قلوبٌ طيبةٌ

قلوبٌ طيبةٌ

رسوم: نصير بهبهاني

كانت سارة وأخوها سالم بصحبةِ والديهما في السوقِ يشترون بعضَ الملابسِ الجديدةِ، اقتربت سارة من الواجهةِ الزجاجيةِ المعروض فيها بعض الملابسِ الجميلةِ، ولمحت على الزجاجِ انعكاس صورة طفل يتعثّر في خطواتِهِ لأن خيط حذائه لم يكن معقوداً، همست سارة لسالم: انظر إلى ذلك الطفلِ، أتمنى لو أستطيع ربط خيط حذائه، لكنني أشعر بالخجل.

وافقها سالم وهو ينظر للطفل المتعثر في سيره: أجل، أمر محرج أن نربط خيط حذاء طفل لا نعرفه!

لم يكد سالم وسارة ينهيان كلماتهما حتى لمحا الطفل يتعثر ويسقط على الرصيف، وارتفع صوت صراخه وبكائه، وحين التفت والدا الطفل إليه ورفعاه عن الأرض كان بعض الدم يسيل من فمه.

نظر كل من سالم وسارة إلى الآخر وشعرا بأنهما ارتكبا خطأ وهمست سارة: ليتنا عقدنا خيط حذائه.

وعلّق سالم: أو أننا أخبرنا والديه غير المنتبهين إلى حذائه.

عندما زار سالم وسارة جدتهما في الأسبوع التالي أخبراها عن الملابس الجميلة التي اشترياها وعن الطفل الذي تعثر في خطواته، شعرت الجدة بالأسف من أجل الطفل ومن أجل سالم وسارة اللذين لم يقوما بواجبهما بسبب الخجل والشعور بالإحراج، وطلبت إليهما إن تعرضا لمثل تلك المواقف أن يفكرا قليلاً، ويتخذا قراراً سريعاً، إذا كان الأمر بحاجة إلى تقديم مساعدة للآخرين حتى لو كانت لحيوان أو نبات لأن عمل الخير لا يخجل ولا يحرج أحد أبداً.

في أحد الأيام، ذهبت سارة مع صديقاتها إلى المنتزه الكبير للعب والمرح، وصعدن عربة يجرها حمار للتجول في أنحاء المنتزه، وأثناء سير الحمار صدمت أرجوحة رأس الحمار بقوة هائلة أثناء اندفاعها في الهواء، صرخت سارة بالرجل الذي يدفع الحمار للسير: توقف!

لكن الرجل ابتسم وظل يدفع الحمار للسير دون أن يريحه ولو لدقيقة واحدة!

عندما نزلت سارة من العربة، أسرعت لشراء بعض البسكويت وزجاجة ماء، أفرغت ماءها في إناء بلاستيكي كان مرمياً قرب الألعاب، دُهشت صديقات سارة وهن يرينها تقدم ما اشترته للحمار الذي كان يتشمم الأرض باحثاً عن طعام، وعلّقت صديقاتها:

- ذهب مصروفك اليوم للحمار!

- الحمار ليس أفضل منا حتى تقدمي له البسكويت!

- ستبقين جائعة طوال اليوم ولن يقدم لك الحمار شيئاً!

في الزيارة التالية للجدة، ابتسمت سارة وهي تخبر جدتها عما فعلت مع الحمار أثنت الجدة على سارة وسألت: وأنت يا سالم ألديك حكاية مثل سارة؟

رد سالم: بلى يا جدتي، في الأسبوع الماضي كنت برفقة أصدقائي ذاهبين للبقالة ولفت نظري تسرّب مياه في مواقف السيارات يمتد للشارع، وحين نظرت جيداً رأيت المياه تتسرّب من أنبوب يعمل بالتقطير لسقاية النباتات المزروعة في وسط الرصيف، كانت ثقوب الأنبوب البلاستيكي تتجه نحو الشارع ومواقف السيارات تسقيها الماء بينما النباتات التي وضع لسقايتها قد أحرقتها الشمس وذبلت بسبب الجفاف، حاولت عكس الأنبوب باتجاه النباتات، لكنه كان صلباً غير مرن إذ بعد ثوان يعود للانعكاس نحو الشارع، أخذت أفكر في طريقة ما ولم أهتم لتعليقات أصدقائي:

: أتظن نفسك مهندساً زراعياً؟

: اتركه، سيأتي العامل بعد وقت لإصلاحه أيها العامل سالم!

أنت تعطلنا من أجل نباتات تافهة!

جمعت بعض الحجارة المتناثرة ثم عكست الأنبوب وأسندته بالحجارة فاتجهت ثقوبه نحو النباتات التي شعرت لحظتها بأنها سعيدة جداً لرواية عطشها الذي طال.

أعجبت الجدة بحكاية سارة وسالم وقالت الحمدلله، الآن أعرف أن لدي حفيدين بقلبين طيبين، ويهتمان لأمر كل شيء، الخير الصادر عن مثل هذه القلوب لا ينقطع أبداً.

 


 

لطيفة بطي