إديسون صديقي

إديسون صديقي

رسوم: ماهر عبد القادر

حينما أجتمع الأب مع أبنائه الثلاثة سألهم: من الإنسان الذي تريدونه أن يكون مثلكم الأعلى في الحياة؟

فلم يستطيعوا إجابته سريعاً. وراح كل وحد منهم يذكر له أكثر من اسم. وفي الأخير اتفقوا على أن يقوم كل واحد منهم بالبحث عن مثل أعلى له في الحياة، أو أكثر من مثل، من خلال الإنترنت والكتب الإلكترونية، والموسوعات العلمية والمعرفية، وكتب السير والعلوم والفنون والآداب. وأن يقدم كل واحد ما توصل إليه من معلومات في جلسة يتم عقدها في يوم العطلة الأسبوعية، فيعرض لسيرة حياة هذا المثل الذي اختاره ليكون قدوته في الحياة.

وقد اتفقت الأسرة على أن تخصص جلسة الأسبوع الأول للاستماع إلى «مَعِين» ليتحدث عن مثله الأعلى، أو عمن يعتبره قدوته في الحياة.

بعد أن حضر الأب والأم وكذلك «دَمُّون» و«نشوان». بدأ «معين» يُحَرِّك فأرة الكمبيوتر على الطاولة، ويلملم أوراقه منتظراً إشارة البدء من أمه أو أبيه ليبدأ بالحديث.

قال له أبوه: هيا يا معين.. من مثلك الأعلى الذي أحببت أن تقدمه لنا؟

قال معين: من سأحدثكم عنه هو من أطفأت أمريكا كل مصابيحها يوم وفاته في 18 أكتوبر 1931 حزناً عليه..!

هو لم يدرس في المدرسة إلا لمدة ثلاثة أشهر فقط، ثم رفضت إدارة المدرسة مواصلة تعليمه قائلة إنه بليد وغير قادر على الفهم.. فهل تعرفون من يكون؟

لم يستطع أحد الإجابة عن سؤال مَعِين.. فمن هذا الذي تطفئ أمريكا كل مصابيحها حزناً عليه حين مات، وهو لم يدرس في مدرسة إلا عدة شهور؛ ووصفوه بالبلادة والغباء؟

لم يتركهم «معين» للبقاء في حيرة، فقال:

ـ إنه توماس ألفا إديسون الذي اخترع هذه المصابيح التي فوقنا ومن حولنا فأضاء بها بلده أمريكا والعالم. ولولا هذا الاختراع لما كنا الآن ننعم بهذا الضوء المتوهج.

قال «نشوان» وهو أصغر أبناء العائلة سنا: من هو إديسون؟

أجاب معين: وُلد إديسون في الحادي عشر من شهر فبراير عام 1847 في مدينة ميلان بولاية أُوهايو الأمريكية، ويعتبر من أعظم المخترعين في التاريخ، وهو الذي أنار الدنيا بمصباحه ولم تعد كما كانت أبداً.

سألت «دمون»: كيف حقق كل هذه الاختراعات وهو لم يتعلم في المدرسة؟

قال معين: هذا تم بفضل الطموح وعدم الاستسلام لليأس، فحين اعتبرته المدرسة طفلاً غبياً لا يصلح للتعليم، شجعته أمه وأعادت إليه الثقة بنفسه، ولم تصدق ما قالته المدرسة عن ابنها ووفّرت له الكتب العلمية ليقرأها في البيت في أوقات منتظمة، فعلّمته القراءة والكتابة والحساب، كما قرأت له روايات تشارلز ديكنز ومسرحيات شكسبير وكتباً في التاريخ الروماني والعالمي. وكان إديسون يبتهج بقراءة كتاب «ملخص الفلسفة الطبيعية والتجريبية» من إعداد ريتشارد غرين باركر حيث يصف الكتاب تجارب علمية بسيطة كان بمقدور إديسون تنفيذها بنفسه. وقد قال عن دور أمه في تعليمه: «إن أمي هي التي صنعتني. كانت أمي تحترمني وتثق في كثيرًا، أشعرتني أني أهم شخص في الوجود، فأصبح وجودي ضروريا من أجلها.

حاولت أن أحيا لأحقق ثقتها في؛ فصرت توماس إديسون مكتشف المصباح الكهربائي».

قالت دمون: الآن عرفت سبب تغيبك أمس عن المدرسة يا معين.. تريد أن تقتدي بإديسون؟

ضحك الأب والأم ونشوان، وقال معين:

- أنا غبت لأنني كنت مريضا.. فأنا أحب معلماتي ومُعلّمي.. أما إديسون فقد كان يكره المدرسة لأنهم يسخرون منه بسبب رأسه الكبير. وكان أطفال الجيران يسخرون منه أيضا بسبب رأسه الكبير وينادونه «أبو رأسين»، وهو ما كان يغضب أمه السيدة نانسي إليوت إديسون، فتعمل على تشجيعه.

قال الأب: بعض الناس يظنون أن صاحب الرأس الكبير غبي، وهذا غير صحيح.

قال نشوان: هل كان إديسون مشاغبا؟

ضحك معين، وقال: نعم كان مشاغبا ولكن ليس مثلك.. إديسون كان في طفولته كثير القراءة، وذكر بولتون في كتابه «مشاهير رجال العلم»: أن إديسون «منذ أن تعلَّم الكلام راح يطرح الأسئلة طوال النهار فكان يقصد محلات بناء السفن فيستفسر عن استعمال كل آلة من الآلات وكان يقضي الساعات الطوال في نسخ اللافتات المعلقة على واجهات المخازن..». ودفعه حبه للمعرفة إلى البحث عن وسائل أخرى للحصول عليها فبدأ في عمل تجارب كثيرة فقام بتركيب الأشياء التي حوله وتفكيكها.

ومن حكايات إديسون في طفولته، أنه وهو في السادسة من عمره قام بأول تجاربه، فأشعل النار في مخزن للحبوب يملكه والده ليرى ماذا يحدث، وكانت النتيجة احتراق المخزن، وكادت النار أن تحرق إديسون أيضا. وأراد أبوه مكافأته. ولكن، يا لها من مكافأة، لقد أخذه إلى ساحة البلدة وقام بضربه بالسوط أمام عدد كبير من الناس حتى لا يعود لمثل هذا العمل.

ولكن لم يحد الضرب والتوبيخ من زيادة فضول توماس وحُبه للمعرفة، فمرّة سأل أمه: لماذا تجلس الإوزة فوق البيض؟. فقالت له: لكي تفقسها وتخرج منها الطير الصغير. فقام توماس بالذهاب إلى الحظيرة، وتحايل على إوزة، فأخذ منها البيض الذي كانت تحضنه، وقلّدها بالجلوس عليه، وكانت النتيجة كسر البيض تحته وتلطيخ سرواله.

وهناك تجارب كثيرة قام بها إديسون على رفقائه وخاصة في محاولاته أن يشاهد الإنسان يطير كالطيور، فأعطى أحد رفاقه سائلاً غازياً ليرى إذا كان سينتفخ ويطير كالبالون، وأقنع مرة عاملة في البيت أن تتناول طبخة من الدود والماء لأنه اعتقد أن الطيور تطير لأنها تأكل الديدان. ولأن النتيجة كانت مؤلمة لهؤلاء فقد كان العقاب وحده من نصيب إديسون.

قال نشوان: ألم يكف (يتوقف) عن تجاربه هذه؟

قال معين: لا، لم يكف عن تجاربه، لقد كان يحب التجريب دائما، حتى أنه قال حين صار كبيراً «إن الوسيلة الوحيدة لأن تكتشف هي أن تجرب». ولم تكن كل تجاربه تُقابَل بالرفض أو الاعتراض، فحينما كان طفلاً في السادسة من عمره كان ينزعج هو والجيران من صوت صرير العجلات الذي كانت تُحدثُه عربة أحد الجيران حينما كان يدفعها أمامه كل صباح وهي محملة بالخضراوات التي يذهب بها إلى السوق لبيعها.

وفي صباح أحد الأيام لم يسمعوا صوت العربة، وظن بعضهم أن الرجل قد مرض ولم يذهب إلى السوق كعادته. لكنهم حينما سألوا زوجته. قالت لهم إنه قد ذهب إلى السوق، لكنها لا تعرف ما الذي حصل لصوت صرير العربة؟

وبقي الجميع في حيرة، ولم يعرفوا إلا بعد وقت طويل أن الطفل إديسون هو الذي أنقذهم من الصوت المزعج كل صباح حينما تسلل من بيته ليلا ليعرف مشكلة العربة، ثم أخذ قطعة كبيرة من الدهن من مطبخ منزلهم وشحَّم بها محرك العجلات فانقطع الصرير.

سأل الأب: هل كان يُنظم تجاربه في معمل، وهو مازال صغيرا؟

أجاب معين: نعم، في البداية كان يستخدم غرفة النوم، ثم استخدم الطابق الأرضي لمنزلهم كمعمل له، فكان يجمع القوارير الزجاجية ويملؤها بمواد كيماوية وحشرات ونباتات وصخور، ويكتب على كل قارورة علامة تميزها، إضافة إلى كلمة «سم» حتى يخيف من حوله فلا يعبث أي أحد منهم بها وبالمواد التي فيها.

وتبين لإديسون وهو في العاشرة من عمره أنه يحتاج إلى المال لتمويل مختبره فاستأذن والديه بأن يتجول لبيع الصحف والحلويات، ولم يوافقا إلاّ بعد أن بذل جهدا لإقناعهما.

واستطاع إديسون أيضا إقناع المسئولين في السكة الحديدية بين «بورت هورون» و«ديترويت» بأن يقوم ببيع الصحف والحلوى داخل القطار للمسافرين. وكان يكسب في اليوم ما بين أربعة إلى خمسة دولارات، يعطي منها دولاراً لأمه والباقي يشتري به كتبا علمية وأجهزة لتجاربه الاختراعية.

وحين كان إديسون يصل إلى محطة ديترويت بالقطار يقوم بالذهاب إلى مكتبة المدينة العامة ليقرأ فيها، تاريخ حياة العلماء وكتب الكيمياء والطبيعة، لمدة ست ساعات، حتى يأتي موعد القطار العائد إلى بورت هورن فيعود معه.

ونجح إديسون بتجارته ففتح محلاً لبيع الفاكهة في ديترويت وأوكل لشخص القيام بمساعدته. ثم ابتاع أحرفاً للطباعة وقام بإصدار صحيفة من القطار بحجم ورقة واحدة.

كما أقام معمله الخاص داخل عربة قطار.

سألت الأم: هل يمكن أن تشرح لنا كيف كانت تجاربه من داخل قطار؟

قال معين: لقد بقي يهتم بالقيام بتجارب عديدة، وكادت تجاربه في مجال الكيمياء وهو على القطار أن تذهب بحياته فقد اشتعل المختبر وكادت النيران أن تلتهمه. فقد كان القطار يسير بسرعة مما أدى إلى سقوط بعض الزجاجات المحتوية على كيمائيات قابلة للاشتعال.

وقيل إن سائق القطار عاقبه وقام بصفعه بعد هذا الحريق، وكانت النتيجة إصابته بصمم كامل في أذن وبشيء منه في الأذن الأخرى بنسبة 80 %. إلاّ أن هذا الصمم كان مفيدا له.

قالت دمون: كيف يكون الصمم مفيداً؟

قال معين وهو يحرك فارة الكمبيوتر: لقد قرأت في الإنترنت قولا لأحد الذين كتبوا عن إديسون «إن عاهة المخترع (الصمم) قد مكنته من التفكير بطريقة أحسن لاستبعاد المعوقات الخارجية ولتجنب الوقت الضائع في الاستماع إلى الكلام التافه».

قالت الأم: ماذا فعل بعد ذلك؟

أجاب معين: تحوَّل اهتمامه بعدها إلى مجال الكهرباء وبعد تدريب قصير تعلم مهنة إرسال البرقيات وأجاد لغة مورس فحصل على وظيفة مناوب ليلي. لكن شغفه بالمعرفة جعله يستغرق في القراءة.ولأنه مطلوب منه أن يرسل إشارة كل ساعة للدلالة على انتظامه بعمله ولئلا يكتشف رؤساؤه انشغاله بالقراءة عن عمله فقد ابتكر جهازاً يرسل الإشارات آلياً كل ساعة ليعفيه من تكرار الإرسال حتى ينصرف للقراءة.

كانت فرصة إديسون الكبرى في أن يجرب تطوير هذا الشيء الذي بين يديه مما نتج عنه أول اختراعاته «التلغراف الآلي»..أي الذي لا يحتاج إلى شخص في الجهة الأخرى لاستقباله بل يترجم العلامات بنفسه إلى كلمات مرة أخرى، ولكن رئيسه اكتشف الحيلة وبقدر ما أعجبه الاختراع إلا أنه ساءه إهمال العمل فعزله من الوظيفة وكان آنذاك في السادسة عشرة من العمر. فتحول إلى عامل تلغراف متجول وكان يقتات من محصوله وما بقي يشتري به الكتب المستعملة وخَطَر له أنه لن يُشبع نهمه من المعرفة حتى يقرأ مكتبة كاملة وعكف في إحدى المكتبات لكنه اضطر إلى العدول عن الفكرة لصعوبة تحقيقها إضافة إلى أنه إذا حبس نفسه للقراءة فلن يجد ما يأكله.

وبقي إديسون يتنقل من وظيفة إلى أخرى. وعانى الجوع والتشرد قبل أن يصبح من أبرز أغنياء العالم بفضل اختراعه العظيم المصباح الكهربائي.

قال الأب: لقد قرأنا الكثير وسمعنا أن إديسون هو مخترع المصباح الكهربائي.. فهل تحدثنا عن هذا الاختراع؟.

قال معين: لقد قرأت أن إديسون أجرى عدة تجارب قبل الحصول على مصباح حقيقي. ففي عام 1878م أكد توماس ألفا إديسون في أكثر من مناسبة أنه نجح في تطوير المصباح الكهربائي ذي الفتيلة الفحمية، إلا أن ذلك لم يصبح ممكناً إلا في 21 أكتوبر من عام 1879 حيث بقي المصباح مضيئاً على مدى عدة أيام وليالٍ.

وأنشأ إديسون شركة لصناعة المصابيح، وبحلول عام 1895م كان هناك مليونا مصباح عامل في الخدمة، وقد عرف إديسون بأنه أبو المصباح المتوهج.

لقد وضع كما يقول لارسن «أُسس الطريقة العلمية لإمداد المنازل بالكهرباء..» وسمعت أوربا بهذا الحدث العظيم فَعَبَر المهندسون «المحيط الأطلنطي من أوربا لمشاهدة تلك الأعجوبة الجديدة ومنذ اليوم الذي بدأت فيه مصابيح إديسون في التوهج تهافت العالم على الكهرباء».

وفي كتاب «فتوحات علمية» يتحدث المؤلف والدمار كمفرت عن المنعطف التاريخي الذي مثلته اختراعات إديسون فيقول: «.. أما الفترة الثانية (من مراحل الاختراع) فتبدأ بالمخترع الشهير توماس أديسون وقد حفلت هذه الفترة باستغلال الاكتشافات العبقرية لميشيل فراداي في ميدان الكهرباء لذلك أطلق الأدباء على هذه الفترة اسم «عصر الكهرباء» وليس في تاريخ الاختراع والمخترعين من هو أبرز من توماس إديسون فهو الذي بنى أول محطة مركزية تعمل بالبخار وهو الذي اخترع اللمبات الكهربائية التي أضاءت المنازل والمصانع والطرقات، وهو الذي ابتدع الموتورات الكهربائية التي تستطيع تسيير القطارات وآلات المصانع».

الأب: ما هي اختراعاته التي سبقت المصباح الكهربائي؟

قال معين: كان إديسون قد قرَّر أن تكون جميع اختراعاته مفيدة للناس وأن يسعى من خلال تجاربه نحو هذا الهدف، ففي الحادية والعشرين من عمره التحق بالعمل لدى إحدى الشركات كعامل تلغراف فاخترع مصيدة كهربائية للصراصير أسماها «قاذف الصواعق» في مقر الشركة فنشرت الصحف صور المقر والاختراع والصراصير فاستاءت الشركة من إظهار مقرها وهو مأهول بهذه الحشرات ففصلته من العمل فانصرف كلياً إلى الاختراع.

وحين تقدم إديسون في عمله انتقل إلى ولاية بوسطن وولاية ماسوشوستس, وأسس مختبره هناك في عام 1876م وهناك اخترع ما كان قد بدأه وهي آلة برقية آلية تستخدم خطاً واحداً في إرسال العديد من البرقيات عبر خط واحد، لكنه لم يكن لديه المال ليسجل اختراعه ويحصل على براءة اختراعه. ثم اخترع الفونوغراف أو الغرامافون الذي يقوم بتسجيل الصوت ميكانيكياً على أسطوانة من المعدن، وكان اختراع هذا الحاكي (المسجل) هو أول اختراعاته الذي يحصل على براءة اختراع ويُسجَّل باسمه، لكنه لم يجد رواجاً فتركه ولم يواصل العمل في هذا المجال. وأدرك بعد ذلك أن المضاربين بالذهب يحتاجون إلى جهاز يوفر لهم على اختلاف مواقعهم معلومات فورية عن ارتفاع أو انخفاض سعر الذهب فاخترع آلة للتخابر تلغرافياً عن أسعار البورصة (سوق الأوراق المالية) وباع هذا الاختراع بمبلغ أربعين ألف دولار وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت وبذلك ودَّع أيام الجوع واستغنى عن النوم في الأمكنة الخلفية القذرة، واستطاع أن يتفرغ للاختراع وأن ينشئ معملاً كبيراً في نيويورك كان فاتحة المعامل والمختبرات للشركات والمصانع في العالم.

وبعد سنتين أنجز اختراعه العظيم المصباح الكهربائي.

قالت الأم: ما هي أبرز محطات حياته بعد اختراع المصباح؟

قال معين: في عام 1887م نقل أديسون مختبره إلى ويست أورنج في ولاية نيو جيرسي، وفي عام 1888م قام باختراع kinetoscope وهو أول جهاز لعمل الأفلام، كما قام باختراع بطارية تخزين قاعدية، في عام 1913م أنتج أول فيلم سينمائي صوتي، ومن اختراعاته مسجلات الاقتراع وهي آلة كهربائية تقوم بعد الأصوات في البرلمان وتضمن السرعة والدقة إلاّ أن لجنة في مجلس النواب في واشنطن رفضت الاختراع وفضلت القيام بعد الأصوات يدويا. وأنتج في السنوات الأخيرة من حياته الصور المتحركة الناطقة، وطور تجارب سكة الحديد الكهربائية وهو أول من اخترع القطارات التي تسير بالكهرباء «الترام».

وإذا كان قد تم التوصل إلى إمكانية نقل الكلام بواسطة التيار الكهربائي إلاّ انه لم يكن بالإمكان اختراع جهاز يُمكِّن من تحويل هذا الاكتشاف المهم إلى هاتف يتيح الاستخدام على نطاق تجاري، فطلبت شركة وسترن يونيون «western union» من إديسون أن يحاول صناعة هاتف قابل للاستعمال العام وبعد بضعة أشهر تمكن أديسون من تسجيل هذا الاختراع وباعه على الشركة المذكورة بمبلغ مائة ألف دولار وكانت تريد أن تدفع له المبلغ كاملاً مرة واحدة لكنه لم ينس أيام الجوع القاسية فطلب من الشركة أن تدفع له القيمة أقساطاً موزعة على سبعة عشر عاما ليضمن راحة البال خلال هذه السنوات لأنه خشي أن يغامر بالمبلغ في مشاريع خاسرة فأراد أن يؤمن مستقبله بهذه الطريقة.

وهكذا ساهم إديسون بتطوير التلفون الذي كان قد اخترعه جراهام بل، وقد عرفتُ أن كلمة «هالو» الذي يستخدمها الملايين من الناس في المحادثات التلفونية أول من استخدمها هو إديسون أثناء تجريبه للمكالمات الصوتية.

واترع إديسون أنواعا كثيرة من البطاريات الكهربائية الجافة والورق المشمع وعشرات من المحركات الكهربائية لمختلف الأغراض. وكذلك اخترع القلم الكهربائي الذي يحدد قوة أو ضعف التيار الكهربائي الموجودة في أي جسم.

وإديسون هو أول من أكتشف الموجات الأثيرية أو القوة الأثيرية والتي هي عماد التلغراف اللاسلكي والراديو والتلفزيون واخترع «مصباح الأمان» لحماية العمال في مناجم الفحم من أثر الغازات الخانقة أو الانفجارات، كما اخترع مادة الأسمنت وطور الآلة الكاتبة. وفي الحرب العالمية الأولى اخترع نظاماً لتوليد البنزين ومشتقاته من النباتات. وخلال هذه الفترة عين مستشاراً لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وقد سجل إديسون باسمه 1093 اختراعاً.

قالت دمون: هل تحدثنا عن جوانب أخرى من حياته وكفاحه وتذكر لنا بعض أقواله وبعض ما قيل عنه؟

راح معين يحرك فأرة الكمبيوتر وهو يقرأ ما لخصه من قراءات حول إديسون:

ـ توماس إديسون هو مؤسس التطور الحديث الذي نعيشه، وإذا كان العالم يذكره على أنه مخترع المصباح الكهربائى فإن البطارية الجافة وماكينة السينما المتحركة ليستا بأقل منه أهمية.

ويضيف معين: قصة حياة توماس إديسون من أروع قصص الكفاح، وفيها دروس تبرهن على أن الإنسان قادر على تعليم نفسه بنفسه، والوصول إلى أرفع الدرجات في العلم والابتكار، فإديسون يوصف بأنه عالم عظيم ومخترع باهر وهو يأتي دائماً في الكتابات المعاصرة في طليعة عظماء التاريخ ومن أشدهم تأثيراً في الحياة الإنسانية.

كان إديسون يشغل كل وقته بما هو مفيد فكان يكره وقت الفراغ، وكان كل همه هو العلم والسعي نحو المعرفة. وكان يعشق التجريب وهو «يقوم بألف تجربة قبل أن يكتشف أو يخترع شيئاً، وعندها يقول له زميله: أخيراً نجحت في المحاولة الألف...!؟، فيرد إديسون قائلاً: بل نجحت من أول محاولة، فقد اكتشفت أن هناك 999 طريقة لا تؤدي إلى الهدف المنشود».

ويقول إديسون إن «الكثير من الفاشلين في الحياة هم أشخاص لم يدركوا كم كانوا قريبين من النجاح عندما قرروا الانسحاب». واعتقد إديسون أن «العبقرية هي 1 % إلهام و99 % جهد وعرق جبين».

كتب يوماً في مذكراته يصف حبه واهتمامه بالآلة قبل أن يصبح عالماً كبيراً فقال: «لا أدري لماذا أعشق هذه الأدوات والآلات الصغيرة.. فأنا أقف أمام المحلات التي تبيعها.. أتأملها وأقف أمامها بالساعات وأنا أشعر بالتعاسة وأنا أبحث في جيوبي عن قطعةِ نقودٍ واحدة أدفعها ثمناً لإحدى هذه الأدوات فلا أجد! وكنت أجلس في مكتبي الصغير وأرسم شكل كل آلةٍ من تلك الآلات التي رأيتها وتمنيت لو امتلكت واحدةً منها. وعندما أتطلع إلى الرسم الذي سجلته بقلمي كنت أجد فيه الجمال والبساطة والسهولة وأحس كأنه يحدثني وأحدثه ويحكي لي ما يمكن أن أصنع به».

ويقول عنه دين كيث سايمنتن في كتابه «العبقرية والإبداع»: «سجل توماس إديسون 1093 براءة اختراع ومازال هذا الرقم هو الرقم القياسي المسجَّل لدى مكتب براءات الاختراع في الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن..». والعالم الأمريكي مايكل هارت في كتابه «المائة الأوائل» قد جعل توماس إديسون بين ثلاثة هم أكثر العظماء تأثيراً في الحضارة الإنسانية منذ بدايتها حتى الآن. وفي كتاب «فتوحات علمية» يقول المؤلف والدمار كمفرت: «لا شك أن سجل التاريخ يزدحم بالكثير من عبقريات الأفراد المخترعين لكن إديسون سيظل دائماً كالعَلَم الشاهق بينهم».

وقد كُرِّم إديسون كثيرا فعملت له التماثيل وصدرت عنه الطوابع البريدية وكتبت عنه آلاف الأبحاث والكتب وسمّيت باسمه المعاهد والكليات، حتى أنهم ابتكروا زهرة باسمه. وقد قرَّر الكونجرس الأمريكي بالإجماع منح إديسون ميدالية ذهبية تُصنع له فقط، ولا تُمنح لغيره أبدا.

قالت الأم: أخبرنا يا معين أكثر عن أسرته؟

أجاب معين: اسمه، كما قلت، توماس ألفا إديسون، كان أبوه صموئيل إديسون يعمل بالتجارة وببيع الخشب وأمه نانسي إليوت تعمل مدرسة للأطفال وهو الطفل الثالث لوالديه.

وتزوج إديسون مرتين وقد ماتت زوجته الأولى ماري ستلويل وهي صغيرة، وبقيت معه الثانية مينا ميلر حتى توفي، وكان له ثلاثة أولاد من كل زوجة.

سألت دمون: ما هي المراجع التي استقيت منها معلوماتك؟

قال معين: هناك كتب في العربية عن إديسون ككتاب «إديسون» الذي ألفه محمد كامل حسن المحامي ضمن سلسلة «عباقرة خالدون» وقد صدر عن منشورات المكتب العلمي في بيروت عام 1988، وكتاب «توماس ألفا إديسون: ابتكار عصر الكهرباء» من تأليف جين أدير وتعريب محمد خالد شاهين، وصدر عن مكتبة العبيكان في الرياض، وهناك كتيب لعاطف محمد الذي يتحدث عنه أيضا في موسوعة «أشهر المخترعين»، وفي كتاب «مشاهير رجال العلم» لبولتون، وكتاب «قطوف من سير العلماء» للدكتور صبري الدمرداش الذي صدر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عام 1997، والموسوعة البريطانية المجلد 17، إضافة إلى البحث في الإنترنت عن Thomas Alva Edison وقرأت ملخصات في الإنترنت لكتب عنه كالكتاب الذي ألفه ماتيو Matthew.

قال الأب وهو ينظر إلى الساعة، كأنه يريد أن ينهي الوقت المخصص للجلسة: أخبرنا يا معين عن يوم وفاة مثلك الأعلى؟

قال معين: أولاً هو ليس وحده مثلي الأعلى، لقد تعرفت خلال البحث عن إديسون على كثير من العظماء في التاريخ، ويمكنني أن أقول إنني وجدت إديسون الأقرب إليّ، بل يمكن القول إنه صار صديقي. أما عن وفاته فكانت في ويست أورنج في نيوجرسي يوم 18 أكتوبر 1931م. وهو فى الرابعة والثمانين من عمره.

وكان يوم وفاته يوماً عظيماً إذ فقدت البشرية أبرز المخترعين في ذلك العصر. ولم يجد الأمريكيون وغيرهم وسيلة للتعبير عن تقديرهم واحترامهم للإنسان الذي أشعل وهج النور في المصابيح الكهربائية سوى أن تطفأ المصابيح نفسها في تلك الليلة حزناً وحداداً على وفاته.

 

 


 

علي المقري





غلاف هدية العدد