منى والعصفورُ الذي تغيّر

منى والعصفورُ الذي تغيّر
        

رسم: رانيا أبو المعاطي

          جاءتني طفلتي منى ابنة السنوات الخمس باكية شاكية.. إنه لا يغني ولا يرفرف بجناحيه!

          سألتها: هل مازال يتحرك؟

          أجابت: لأن عصفورها يتحرك، لكن ليس كعادته.. كما كان.. إنه.. غصت بالبكاء ولم تستطع تكملة جملتها، فحملتها وتوجهت نحو قفص العصفور في غرفة الجلوس بالبيت، أنزلت القفص من مكانه، وتوجه نظر الطفلة مع نظرتي نحو العصفور.

          كان ينقر الحَبَّ بتكاسلٍ.. ويتحرك ببطء واضح، مددت يدي بين قضبان القفص وأخذت أملّس له ريشه الجميل، متعدد الألوان الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق والأبيض والأسود.. الذي كان سبباً من أسباب اقتنائي له.

          حملت الحبوب بيدي اليسرى، وتابعت يدي اليمنى التمليس على ريشه وتفحص منقاره وجناحيه ورجليه.

          لم يكن به أي شيء غير عادي.

          بدأ ينقر الحبوب من يدي وعندما انتهى من ذلك أطلق صوته بالصفير والغناء.

          قلت للصغيرة: ها هو كما كان.. إنه يغني ويأكل، ويرفرف بجناحيه.

          أجابت الصغيرة بصوت يخنقه البكاء: إنه ليس كما كان يا أبي.. ليس كما كان!

          تعجبت من قول الصغيرة.. وعلقت: كيف ليس كما كان يا ابنتي.. إنه أمامك يأكل ويشرب ويغني ويرفرف بجناحيه.. تماماً كما كان منذ أن أحضرته لك منذ سنة.

          ازداد بكاء الصغيرة فجاءت أمها مستفسرة.. وجاءت أختها أماني التي تصغرها بسنة ووقفت بجانبها وشاركتها البكاء أيضاً!

          حيّرني حال ابنتي فسألت أمها: إنها تصر على أن العصفور قد تغير مع أنني فحصته فلم أجد شيئاً تغير فيه.

          ازداد غضب الصغيرة وازداد بكاؤها!

          شاركتني زوجتي حيرتي، ثم احتضنت البنتين وأخذت بتهدئتهما.

          كان العصفور يغني.. والبنتان تبكيان.. وأنا وزوجتي في حيرة ودهشة!

          أجابت الصغيرة: لقد تغير يا أمي.. ولم يعد كما كان!

          جلست بجانبها.. وملست على شعرها الناعم، وسألت: كيف عرفت أنه تغير؟

          نظرت في عيني خائفة.. ثم التفتت إلى أمها.. وأختها وازداد بكاؤها.

          أعدت السؤال: كيف عرفت أنه تغير يا ابنتي، قولي لي ربما تعرفين ما لا أعرف؟

          أجابت خائفة.. باكية: لم يعد يخرج من قفصه.. لقد فتحت له باب القفص فلم يخرج كعادته!

          تدخلت زوجتي وعلقت: لقد فتحت منى باب القفص عدة مرات من قبل، وكان العصفور يخرج منه ويطير في الغرفة، أو يحاول الطيران خارجها، إلا أننا كنا نطارده ونعيده إلى القفص ثانية.

          ازدادت دهشتي لهذه المعلومة الجديدة عليّ.

          وسألت منى: هل فتحت القفص منذ لحظات؟

          أجابت: نعم يا أبي.. لكنه لم يخرج.. لم يعد كما كان..

          وهل حاولت إخراجه، أعني هل دفعته للخروج؟

          علقت الصغيرة: حاولت، نعم حاولت يا أبي وقد حملته بيدي من القفص ووضعته خارجه، إلا أنه عاد إليه بسرعة، وقدمت له الحبوب التي يحبها، لكنه لم يأكل منها أي شيء.. وعاد بسرعة إلى قفصه؟

          توجهت للعصفور وفعلت كل ما فعلته ابنتي، وفتحت الباب ووضعت الحبوب خارج القفص وضربت بكلتا يدي على قضبانه.. الا أنه تجاهل وجود الباب وأخذ يتقافز من مكان إلى آخر في القفص.

          تأسفت للحال التي وصل إليها العصفور ثم طرحت على نفسي سؤالاً صامتاً: ما الذي أصابه؟ ثم غرقت في تفكير عميق لم أفق منه إلا على صوت صفيره وزقزقته!

          خرجت من حواري الصامت وعلقت قائلاً للأم وللصغيرتين: فعلاً إن عصفورنا تغير.. لقد تغير عصفورنا!

          سألت منى: هل يمكن أن يعود كما كان يا أبي؟

          نظرت نحو زوجتي وابنتيّ.. ثم توجهت نظراتي المتفحصة الى العصفور وقلت: ربما يا ابنتي.. ربما.

 


 

سليمان الشيخ