رحلةُ الحلزونِ الصغيرِ

رحلةُ الحلزونِ الصغيرِ
        

رسوم: عفراء اليوسف

          الحلزون الصغير، الحلزون ذو القوقعة الرماديّة الفاتحة، الحلزون الذي يحيا في الحديقة وحيدا، آن له أنّ يتحرّك في اتجاه نبتة الخس التي أينعت وحان قطافها.

          لم يكن الحلزون ليبصر لونها الأخّاذ، ولكنّ قرون استشعاره كانت تؤكّد له أنّها في تمام تألّقها، وأنّه إن لم يشدّ رحاله إليها فإنّ عيونا بشريّة سترى يناعتها وستمتدّ إليها الأيدي سريعا لتقطفها.

          في الفجر، وقد ابتلّت أعشاب الحديقة وأزهارها بالندى، اتّخذ الحلزون الصغير طريقه في اتّجاه نبتة الخس اليانعة. وكان عليه أن يبذل جهدا حتى يتمكّن من الوصول قبل أن تشتدّ حرارة الشمس فتعيقه عن الوصول. زحف الحلزون بجسده الرخو على الأعشاب النديّة، وبدا في هذا الوقت من النهار نشيطا حازما، حتى أنّه استطاع أن يقطع المساحة المعشّبة في الحديقة قبل شروق الشمس. ولكنّ نبتة الخس العزيزة كانت لاتزال بعيدة، وقد قدّر بقرون استشعاره التي لا تخطئ أنّ عليه أن يقطع ضعف الأمتار التي كان قد قطعها وعليه أن يواجه خلالها مصاعب كثيرة. بمجرّد أن تجاوز المساحة المعشبة وجد الحلزون الصغير نفسه في مواجهة مساحة متربة، كان صاحب البيت قد هيّأها لزراعة بعض الأزهار، ونقّى ترابها من الشوائب. وعليه الآن أن يكون أكثر انتباها لأن لا يزحف بجلده الرخو على التراب، لأنّه سيلتصق حينئذ بجسده وسيؤلمه ذلك كثيرا. بحذر شديد مدّ الحلزون قرون استشعاره حتى تبيّن ورقة جافة ألقت بها شجرة الليمون القريبة، فزحف عليها، ثمّ تبيّن حصاة، ثمّ عودا يابسا، ثمّ ورقة أخرى، ثمّ حصاة. كان يتنقّل ببطء، ولا يمدّ جسده إلى أيّ مكان حتى يثق في أرضيّة صلبة يمكن أن ينزلق عليها. ولذلك فإنّ تقدّمه نحو نبتة الخس لم يكن مستقيما، كان طريقه متعرّجا، وهو ما أطال المسافة أمامه، ولكنّه لم يفقد حماسه، ولا افتقد الحيلة لتجاوز الأمتار المتبقيّة من الأرضيّة المتربة في الحديقة.

          لقد أشرقت الشمس الآن، وغرّدت على الأغصان طيور، ورفرفت حول الأزهار النديّة الفراشات. حينئذ كان الحلزون الصغير يشرف على نبتة الخس من وراء سياج حجريّ يحيط بهذا الركن القصيّ (البعيد) من الحديقة. شعر الحلزون بالارتياح والثقة وهو يتلقى بقرون استشعاره الرائحة الأخّاذة لنبتة الخس اليانعة، فتجدّد عزمه. لم يبق له إلاّ أن يقطع هذا السياج الحجريّ صعودا ونزولا ليكون في ضيافة هذه النبتة الرائعة.

          لم يكن صعود السياج ولا النزول منه سهلا على الحلزون الصغير، فقد جفّفت الشمس طراوة الندى الذي كان يبلّل حجارة السياج، فصار انزلاق جسده الرخو عليها أكثر قسوة وأشدّ إيلاما. وهو ما جعله يتقدّم ببطء، متحمّلا آلام الانزلاق بعزيمة وصبر.

          أخيرا وجد الحلزون نفسه على الطريق السويّ نحو نبتته العزيزة، خطوات قليلة أخرى وسينزلق بجسده بين أوراقها الملتفة وسيقضّي أجمل أيّامه في تذوّق أوراقها الليّنة الحلوة. في هذه الأثناء كانت ربّة البيت قد أقبلت تحمل بين يديها سلّة الفاكهة الصغيرة، وبخطوات سريعة وقفت أمام نبتة الخس اليانعة، ثمّ جثت على ركبتيها، واستلّت سكينا من السلّة وقطعت النبتة الطريّة من جذعها الذي يمتدّ عميقا في التراب، وعادت أدراجها لتعدّ سلطة الصباح.  بحذر شديد مدّ الحلزون الصغير قرون استشعاره في الهواء، وبدا له واضحا أنّ نبتته العزيزة قد اختفت من مكانها. لم يكن الحلزون وهو يعود أدراجه صاعدا السياج الحجريّ ثمّ نازلا منه يشعر بالإحباط. لقد خاب أمله حقّا في طعام طالما تمنّى أن يتذوّقه، ولكنّه كان قد عاش تجربة جديدة. لقد واجه مصاعب وتغلّب عليها، وحدّد وجهة ووصل إليها، ولم يكن هذا بالأمر السيئ على الإطلاق. بينما كان الحلزون يزحف ببطء عائدا أدراجه، كان الطريق يبدو له واضحا، والوصول أكثر أمنا وسهولة مما كان عليه منذ حين.

 


 

مجدي بن عيسى