بمناسبة مرور قرن ونصف قرن على ميلاد الرسام الفرنسي «جورج سورت» (Georges Seurat) (1859-1891)

بمناسبة مرور قرن ونصف قرن على ميلاد الرسام الفرنسي «جورج سورت» (Georges Seurat) (1859-1891)
        

السيركُ

          دخل الرسام الفرنسي «جورج سورت» (Georges Seurat) قاعة العروض بمقر «المجلة المستقلة» بصحبة زوجته «مادلين كنوبلوش» حاملة بين ذراعيها وليدها «بيير» الذي أكمل سنته الأولى.

          كان متعباً لاسيما وأنه قضى صباح هذا اليوم كله في تعليق لوحاته التي سيحتضنها معرضه بهذه القاعة ابتداء من يوم غد، ثم دخل القاعة مدير المجلة المستقلة السيد «فيليكس فينون» (Félix Fénon) الذي يعتبر الناقد والمفسر الرئيسي للوحاته الفنية مرحبا بالرسام جورج سورت، الذي يعتبر رائد فن « التنقيطية (Le pointillisme)، لأن الرسام يستعمل فيها بدل اللمسات اللونية نقطاً لونية متجاورة بالألوان الأولية (الأحمر والأصفر والأزرق) مع تدرجاتها على أسس علمية.

لوحة السيرك المميزة!

          وبعد استعراض اللوحات التي زينت جدران فضاء القاعة، توقف «فينون» عند جديد «سورت» في هذا المعرض، ويتعلق الأمر بلوحة كبيرة، عنوانها وموضوعها «السيرك» التي أصر على عرضها في هذه المناسبة رغم عدم إتمامها والتفت إليه قائلا:

          أهنئك على هذا الإنجاز الرائع، إنني أردد دوماً وفي كل مناسبة أنك تتمتع بقدرة متميزة في التحكم في اللون و الشكل المعبر يا جورج.

          - شكرا يا صديقي «فينون»، لقد شرعت في رسم هذه اللوحة ووضع أسسها منذ السنة الفارطة لما كنت في إجازتي السنوية بـ «كرافلين» ( Gravelines) على بحر الشمال.. جعلتها مجالاً تجريبياً لتطبيق العلوم التي درستها لنظريات الضوء وتفاعله مع اللون والظواهر البصرية التي تعطي الإحساس بالحركة في الصورة.. لهدف إبراز البهجة المرتبطة بموضوع اللوحة.

سيرك فيرناندو

          لقد اقتبست موضوع هذه اللوحة من «سيرك فيرناندو» (Fernando) الذي كنت أجد فيه متعة وتسلية لا تقدر قيمتهما، وكان يقام كما تعلم بالقرب من الورشة التي أشتغل فيها بالزاوية ما بين شارعي «الشهداء» و«روششوار» (Rochechouart) (باريس).. لقد ارتبط هذا السيرك منذ نشأته سنة 1875 بساحة «فرودو» (Frodot) والمهرج الشهير الذي يبكي الجماهير ضحكاً «مدرانو» (Medrano)، الذي خلّدته من خلال هذه اللوحة، وهو الذي يظهر في مقدمة اللوحة مستديراً ظهره إلى الأمام، وكانت فقرة ركوب الحصان ببهلوانية من قبل بهلوان الحبال أمتع الفقرات، كما تشاهدونه في اللوحة، في الحلبة التي يتوسطها مروّض الحصان الذي يديره ويضبط إيقاعه وحركاته بسوطه الطويل في الوقت الذي لا ينفك المهرجون من إبداء تعليقاتهم بكثير من الفظاظة والتهريج.. وبما أن ثمن التذاكر يختلف حسب مقاعد المدرجات وقربها من الحلبة ويعكس الطبقية الاجتماعية ما بين البسطاء والأغنياء، فقد عكستُ ذلك بحس لافت، ففي المدرجات الفوقية رسمت طبقة العمال بلباسهم المتواضع متكئين على حاجز حديدي مفرغ، أما في المقدمة فشكل المدرجات الأنيقة ومظاهر من يجلس فيها فيبرز علية الناس، حتى خلفيات الحواجز التي يتكئون عليها محشوة.. أنظر إلى هذه الشخصية في الصف الأول يسار بهلوان الحبال (بعد السيدتين على اليمين) التي ترتدي بذلة مسلية فتمثل صديقي «شارل انكران» (Charles Angrand) مؤنسي الذي يرافقني ويقتسم معي متعة متابعة فقرات هذا السيرك، فلم تفتني الفرصة لتخليده أيضا.

          رائع يا جورج... كل شيء الآن على أحسن ما يرام والمعرض جاهز، وبإمكانك الانصراف أنت وأسرتك الصغيرة لترتاح ولتكون أكثر حيوية غدا لاستقبال ضيوفك الذين سيأتون بالعشرات لمتابعة جديد إنجازاتك.

 


 

أحمد واحمان   

 




لوحة السيرك (مقاسها: 185.5سم × 152.5 سم بزيت على قماش)