حنّبعـل القائدُ الخالدُ
حنّبعـل القائدُ الخالدُ
رسم: رضوان الرياحي أََََهْلاً أَصْدِقَائِي، اِسْمِي «حَنَّبَعْل» الْقَائِدُ الْقَرْطَاجَنِّي الْمَشْهُورُ. وُلِدْتُ قَبْلَ مِيلاَدِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِقَرْنَيْنِ وَنِصْفٍ، أَيْ سَنَةَ 247 قَبْلَ الْمِيلاَدِ فِي مَدِينَةٍ قَوِيَّةٍ مُزْدَهِرَةٍ اِسْمُهَا قَرْطَاج، مَازَالَتْ آثَارُهَا إِلَى اْلآنِ فِي تُونُسَ. كَانَ أَبِي قَائِدًا عَسْكَرِيًّا مُهِمًّا اِسْمُهُ «عَبْدُ مَلْقَرَتْ الْبَرْقِي»، وَاسْتَطَاعَ أَنْ يَضُمَّ إِلَيْهَا جَنُوبَ إِسْبَانِيَا. وَلَكِنَّ هَذَا التَّأَلُّقَ وَالنَّجَاحَ جَعَلَ اْلإِمْبرَاطُورِيَّةَ الرُّومَانِيَّةَ (إِيطَالَيَا حَالِيّاً) تُنَافِسُهَا. فَنَشَبَتْ بَيْنَهُمَا حُرُوبٌ عَدِيدَةٌ. طُفُولَتِي: اِصْطَحَبَنِي أَبِي مَعَ أَخَوَيَّ «عَزْرَبَعْل» وَ«مَاغُون» إِلَى جَنُوبِ إِسْبَانِيَا.وَكَانَ عُمُرِي تِسْعَ سَنَواتٍ. فَتَدَرَّبْتُ عَلَى رُكُوبِ الْخَيْلِ وَفُنُونِ الْقِتَالِ واعْتَدْتُ عَلَىَ حَيَاةِ الْجُنْدِ. وَاْلأَهَمُّ أَنِّي نَشَأْتُ عَلَى حُبِّ وَطَنِي قَرْطَاج وَالدِّفَاعِ عَنْهُ. وَقَدْ كَانَ وَالِدِي مَثَلِيَ اْلأَعْلَى الَّذِي أَقْتَدِي بِهِ وَأَتَعَلَّمُ مِنْهُ. قِيَادَةُ جَيْشِ قَرْطاَج: عِنْدَمَا تُوُفِّيَ وَالِدِي، ثُمَّ لَحِقَ بِهِ زَوْجُ أُخْتِي، بَقِيَ جَيْشُ قَرْطَاج دُونَ قَائِدٍ. فَانْتَخَبَنِي الْجَمِيعُ قَائِدًا لَهُمْ، وَُكنْتُ فِي السَّادِسة وَالْعِشْرِينِ مِنْ عُمُرِي. فَقَرَّرْتُ أَنْ أُكْمِلَ حُلْمَ وَالِدِي وَهْوَ تَوْحِيدُ الشُّعُوبِ فِي الْحَوْضِ الْغَرْبِيِّ لِلْبَحْرِ اْلأَبْيَضِ اْلمُتَوَسِّطِ. بِدَايَةُ الصِّرَاعِ: وَفِي سَنَةِ ثَمَانِيَةَ عَشْرَةَ وَمِئَتَيْنِ قَبْلَ اْلمِيلاَدِ. قَرَّرَتْ رُومَا إِرْسَالَ جَيْشٍ لِمُهَاجَمَةِ جَنُوبِ إِسْبَانِيَا وَآخر لِمُهَاجَمَةِ قَرْطَاج فِي نَفْسِ اْلوَقْتِ. وَبِذَلِكَ تَقْضِي عَلَى هَذِهِ اْلمَدِينَةِ، وَتَبْسُطَ نُفُوذَهَا عَلَى كَامِلِ اْلبَحْرِ اْلأَبْيَضِ اْلمُتَوَسِّطِ. وَمَا إِنْ بَلَغَنِي اْلخَبَرُ حَتَّى قَرَّرْتُ الدِّفَاعَ عَنْ بَلَدِي. وَلَكِنِ احْتَرْتُ هَلْ أَتَصَدَّى لَهُمْ فِي جَنُوبِ إِسْبَانِيَا أَمْ أُوَاجِهُهُمْ فِي قَرْطَاج؟ ثُمَّ خَطََرَتْ لِي فِكْرَةٌ لَمْ تَخْطُرْ عَلَى بَالِ رُومَا، وَقَدْ حَقَّقْتُ بِهَا إِنْجَازًا عَسْكَرِيًّا عَظِيمًا تَنَاقَلَتْهُ اْلأَجْيَالُ عَلَى مَرِّ التَّارِيخِ. الْخُطَّةُ: لَقَدْ قَرَّرْتُ مُهَاجَمَةَ رُومَا وَمُبَاغَتَتَهَا. وَجَهَّزْتُ جَيْشًا قِوَامُهُ سِتُّونَ أَلْفًا مِنَ الْمُشَاةِ وَاثْنَا عَشْرَ أَلْفَ فَارِسٍ وَأَرْبَعُونَ فِيلاً. فَاجْتَزْتُ جِبَالَ اْلبِيرِينِي بَيْنَ إِسْبَانِيَا وَفَرَنْسَا ثُمَّ عَبَرْتُ جِبَالَ اْلأَلْبِ الَّتِي لَمْ يَعْبُرْهَا أَحَدٌ قَبْلِي بِجَيْشٍ ضَخْمٍ. وَقَدْ كَانَتْ رِحْلَةً قَاسِيَةً كَلَّفَتْنِي نِصْفَ رِِجَالِي. وَبِسُرْعَةٍ أَلْغَى الرُّومَانُ حَمْلَتَهُمْ تَحْتَ وَقْعِ الْمُفَاجَأَةِ. وَقَرَّرُوا الْعَوْدَةَ لِمُوَاجَهَتِي. وَبِذَلِكَ جَنَّبْتُ وَطَنِي وَيْلاَتَ الْحَرْبِ وَنَقَلْتُ الْمَعْرَكَةَ إِلَى رُومَا. وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ مُحَقِّقًا انْتِصَارَاتٍ عَسْكَرِيَّةً بَاهِرَةً. كَمِينُ الثِّيرَانِ: كَمَنَ الرُّومَانُ لِجَيْشِي وَسَدُّوا عَلَيَّ الطَّرِيقَيْنِ الرَّئِيسيَتينِ لِيُجْبِرُونِي عَلَى اْلمُرُورِ مِنَ الطَّرِيقِ الثَّالِثَة الضَّيِّقَةِ. وَيُبَاغِتُونِي بِقُوَّاتِهِمْ هُنَاكَ. فَتَفَطَّنْتُ لِهَذِهِ الْخِدْعَةِ. وَقُمْتُ بِجَمْعِ الْحَطَبِ وَرَبَطْتُهُ عَلَى قُرُونِ الثِّيرَانِ. وَكَانَ عَدَدُهَا أَلْفَيْ ثَوْرٍ تَقْرِيبًا. وَأَوْقَدْتُ النَّارَ فِي الْحَطَبِ. وَدَفَعْتُ الدَّوَابَّ فِي اتِّجَاهِ الرُّومَانِ لَيْلاً. فَفَرُّوا مِنْ هَوْلِ الْمُفَاجَأَةِ وَأفْسَحُوا لِيَ الطَّرِيقَ اْلآمِنَةِ وَوَاصَلْتُ اْلمَسِيرَ نَحْوَ رُومَا. وَسَيْطَرْتُ فِيهَا عَلَى جَنُوبِ إِيطَالِيَا. خِصَالِي: كُنْتُ مُثَابِرًا شُجَاعًا أَتَحَلَّى بِالْحَزْمِ وَضَبْطِ النَّفْسِ وَكُنْتُ أُفَكِّرُ قَبْلَ اْلإِقْدَامِ عَلَى اتِّخَاذِ أَيِّ قَرَارٍ. وَآكُلُ بِقَدْرِ حَاجَتِي. وَأَنَامُ فِي فِرَاشٍ بَسِيطٍ. وَمَلاَبِسِي لاَ تَخْتَلِفُ كَثِيرًا عَنْ زِيِّ الْجُنْدِيِّ الْعَادِيِّ. مُوَاجَهَتِي مَعَ القَائِدِ الرُّومَانِيِّ سَقِيبِيُو: وَلَكِنَّ رُومَا قَرَّرَتْ مُهَاجَمَةَ قَرْطَاج بَعْدَ أَنْ تَوَلَّى الشَّابُ «سَقِيبِيُو» قِيَادَةَ الْجَيْشِ وَهُوَ فِي الرَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ عُمُرِهِ. فَقَرَّرْتُ اْلعَوْدَةَ سَرِيعًا بِدَافِعِ حُبِّي لِوَطَنِي، وَاْلعَهْدِ الَّذِي قََطَعْتُهُ لِوَالِدِي عَلَى نُصْرَتِهِ وَالدِّفَاعَ عَنْهُ. اِشْتَرَطَ «سَقِيبِيُو» تَنَازُلَ قَرْطَاج عَنْ كُلِّ مُسْتَعْمَرَاتِهَا وَكَامِلِ أُسْطُولِهَا اْلبَحْرِيِّ. فَرَفَضْتُ قَائِلاً: «لَنْ تَقْبَلَ قَرْطَاج بِنَزْعِ سِلاَحِهَا». فَكَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. وَوَضَعَتْ أَوْزَارَهَا بِهَزِيمَتِي فِي اْلمَعْرَكَةِ الشَّهِيرَةِ «جَامَةَ» غَرْبَ اْلِبلاَدِ التُّونُسِيَّةِ حَالِيًّا. النِّهَايَةُ: هَاجَرْتُ إِلَى مَدِينَةِ صُور (لُبْنَان اْلآن)، مَوْطِنِ اْلأَمِيرَةِ «عِلِّيسَة» الَّتِي أَسَّسَتْ مَدِينَةَ قَرْطَاج. وَكُنْتُ أُحَاوِلُ أَنْ أُعِيدَ مَجْدَ مَدِينَتِي. فَلاَحَقَنِي الرُّومَانُ. وَهُنَاكَ كَانَتْ نِهَايَتِي. وَقَدْ بَقِي التَّارِيخُ يَذْكُرُنِي إِلَى أَيَّامِكُمْ هَذِهِ وَيَذْكُرُ شَجَاعَتِي وَإِخْلاَصِي لِوَطَنِي.
|