العجوزُ الذكيةُ

العجوزُ الذكيةُ

رسوم: ريما كوسا

في إحدى القرى، كانت تعيشُ عجوزٌ فقيرةٌ، وكان أهلُ القريةِ يعطفون عليها، فيمنحونها بعضَ الطعامِ والملابسِ، ويطمئنون دائماً على أحوالِها، وعندما بدأ موسمُ الشتاءِ بالاقترابِ، منحوها عباءةً من الصوفِ وإناءً مليئاً بحبوب الحنطةِ، كما زوّدوها بالكثيرِ من الحطبِ لتستعينَ به على بردِ الشتاءِ.

في إحدى الليالي، استلقت العجوزُ في فراشِها، وتدثّرت بعباءتِها حين تسلل لصٌّ إلى منزلِها، وبعد البحثِ لم يجد شيئاً ذا قيمة يمكن أن يسرقَه إلا العباءةَ الصوف وحبوبَ الحنطةِ، لذا قام بكلِّ خفة بسحبِ العباءةَ عن العجوزِ، واتجه إلى إناءِ الحنطةِ يفرغه في العباءةِ، شعرت العجوزُ بحركةِ اللصِّ، فجمدت في مكانِها مفكرةً متظاهرةً بإغمضاضِ عينيها، عندما انتهى اللصُّ وطوى العباءةَ وحمّلها بالحنطةِ متوجهاً إلى البابِ، هبّت العجوزُ من فراشِها هاتفةً: قف! ارتعبَ اللصُّ وجمد في مكانِهِ للحظةٍ، فتابعت العجوزُ: لا يمكن أن تذهبَ هكذا، أنا عجوزٌ وحيدةٌ ولا أحدٌ يأتي لزيارتي أو التحدّث معي، ما رأيك أن أشعلَ ناراً وأصنعُ شاياً ونتحدث معاً؟

همسَ اللصُّ لنفسِهِ: لاشك أنها عجوزٌ مجنونةٌ أسرقها وتدعوني للشاي، مَن يدري، قد تكون هذه العجوز المجنونة تخبئ كنزاً أو شيئاً قيّماً ونفيساً، سأسهر الليلةَ معها ربما باحت لي بأسرارِها.

لبّى اللصُّ دعوةَ العجوز، ووضع العباءَةَ، وقام بمساعدةِ العجوز على إشعالِ النارَ، وفيما هما يتحدثان، سألت العجوز اللصَّ: ما اسمك؟ وأجاب اللصُّ: اسمي حسان. همست العجوزُ لنفسِها: اسم لا يليق بك أيها اللصُّ السيئُّ!

وبعد لحظاتٍ، سألته مرةً أخرى: أتذكر يا حسان عندما سقطت أسنانُك أول مرة عندما كنت صغيراً، هل كان ذلك مؤلماً؟

دُهشَ اللصُّ لسؤالِ العجوزِ واعتقد بصحةِ جنونها وأجاب: لقد حدث ذلك منذ زمنٍ بعيدٍ ولم أعدْ أذكر.

تابعت العجوزُ قائلةً: أتعرفُ يا حسان نحن العجائز عندما تقترب أسناننا من السقوطِ تسبّبُ لنا ألماً يدفعنا للفِ الخيط حولها لشدِّها وخلعها، وحين نفعل، فإن الألمَ الذي يصيبنا يكون شديداً يدفعنا إلى الصياحِ بأعلى أصواتنا!

كانت العجوزُ تصرخُ بأعلى صوتِها حتى أصمّت اللص الذي كان يحاولُ إسكاتها.

انتبه الناسُ لصراخِ العجوزِ ورأوا ضوءَ النارِ يصدرُ عن بيتِها على غيرِ وقت العادةِ، فهبّوا لنجدتِها ظانين أن أمراً خطيراً قد أصابَها، وما إن دفعوا البابَ حتى أشارت إلى اللصِ: دونكم اللص، جاء يسرق عباءتي وحنطتي!

هجم الناسُ على اللصِّ وأوسعوه ضرباً ثم حملوه وألقوه في إحدى الحفر على جانبِ الطريقِ، وعندما أشرقت الشمسُ تلحّفت العجوزُ بعباءتها ومضت تستطلعُ أمرَ اللصِّ، في الحفرةِ أطلت عليه وسألته ساخرةً: أيا حساني مَا الأفضل خلع أسنانك أم أسناني؟

فردَّ اللصُّ وهو مغتاظ: خلع أسنانك أيتها العجوز الماكرة؟

 


 

قصة: لطيفة بطي