حكايةٌ رمضانيةٌ

حكايةٌ رمضانيةٌ

رسوم: ماهر عبدالقادر

أسكن مع أسرتي في حيِّ الأزهرِ الشريفِ، أبي هو أكبرُ تاجر عطارة في سوقِ العطارين، كل يوم أرى حولَ دكان أبي عدداً من الفقراءِ يأخذون منه الصدقات، أهل الحي يحبّون أبي، فهو كريمٌ وبشوش الوجهِ، ويعامل الناسَ بتواضعٍ وصبرٍ ورحمةٍ.

وفي رمضانِ، يوفرُّ الطعامَ للذين يفاجئهم في الشارعِ أذانُ المغربِ, عساكر المرورِ وسائقي السيارات وجامعي القمامة وبائعي المناديل.. إلخ. يكلّف أبي بعضَ عماله بإعداد الطعامِ طوال الشهرِ لمائدةِ الرحمن، جاء رمضانُ هذا العامِ في إجازةِ الصيفِ، لذا كلّفني أبي بالمشاركةِ في تنقيةِ الأرزِ أو تقشير البطاطس أو تخريطِ الطماطم والخيار، أصارحكم إنني كنت أفعل ذلك بلا حماس. فقط حتى لا يغضب مني أبي، فقد كنت أتمنى أن أقضي الإجازةَ في اللعبِ بالكرةِ وركوبِ الدراجاتِ ومشاهدة الأفلامِ.

أُعلنت النتيجةُ ونجحتُ في الامتحانِ، وحصلتُ على شهادةِ الإعدادية. هنّأني أبي ثم قال: الآن أصبحتَ رجلاً، وسوف أكلفك بعملٍ يليق بالرجالِ، ويضمن لك رضا الله وثوابه. سوف تقف بعد أذان المغربِ أمام مائدة الرحمن وتلبّي للصائمين طلباتهم، خجلتُ أن أعارضَ أبي، أعلنت له موافقتي وأنا أكتم غضبي، ألا يكفي أن تضيعَ أيام الإجازةِ في المطبخِ؟ وهل يفطر كلُّ الناس، وأعاني أنا من الجوعِ والعطشِ؟ ولماذا؟ لكي أوفر لضيوفِ المائدةِ ما ينقصهم من الماء أو الملحِ؟ وما ذنبي؟ ألا يجد أحداً غيري؟ سوف أجربُّ القيامَ بهذه المهمةِ يوماً أو يومين ثم أعتذر له.

في اليومِ الأول وضع العمالُ الطعامَ على الموائدِ، وتهيأ الضيوفُ للاستماع إلى أذان المغربِ، بعد أن أذّن المؤذنُ بدأوا يأكلون ويشربون، بعضُ الضيوفِ حضروا وجلسوا على موائدٍ خاليةٍ، بادرتُ إلى وضعِ الماءِ والخبزِ أمامهم، ثم جئت لهم بالطعامِ، نسيتُ جوعي وعطشي وأنا أتنقّل بين الموائدِ، وأضع أطباقَ الأرزِ أو أرغفةِ الخبزِ هنا أو هناك، كان الضيوفُ ينظرونَ لي بامتنانٍ ويدعون لي بالنجاحِ. اندلعت في صدري شعلةٌ من الحماسِ وأنا أهرولُ لخدمتِهم، وتلبيةِ طلباتهم، عرفتُ الآن لماذا قال لي أبي هذا عملٌ يضمنُ لك رضا الله وثوابه، نعم يا أبي، ويضمن لي أيضاً سروراً وانشراحاً وسعادةً.

 


 

محمود عبدالوهاب