من حكايات جدتي!.. العنزةُ التي تحولتْ إلى كرةٍ!

من حكايات جدتي!.. العنزةُ التي تحولتْ إلى كرةٍ!

يرسمها: صلاح بيصار

.. وبعد أن شربت جدتي فنجان قهوتها هزته بيدها، بعدها قلبته على وجهه، وبعد دقائق رفعته وهي تنظر داخله كأنما تقرأ ما تراه من بقايا القهوة التي رسمت خطوطا ودوائر غير محددة كرسومات الشخبطة فسألتها:

- هل تقرئين الطالع ياجدتي؟!

ضحكت وهى تقول:

- لا تصدق.. فلا أحد يعرف ما الذى سيحدث بعد دقيقة في الحياة له أو من حوله.. وإنما هي عادة ورثناها عن أجدادنا، وبعضنا يصدقها، وبهذه المناسبة سأحكي لك حكاية العنزة والبقرة الخضراء!

وبدأت جدتي الحكي: كان يا ما كان.. في زمن سيطرت فيه الخرافات على بعض الناس، تعيش عنزة. العنزة كانت بطبعها كسولة في حركتها في البحث عن الطعام أثناء رعيها في المراعي مع باقى القطيع. ذات يوم شردت من القطيع وشاهدت مجموعة من الأولاد يلعبون الكرة وهم يقذفونها فتتحرك بسرعة في أماكن مختلفة.. فهمست العنزة لنفسها: (هذه الكرة كسولة مثلى، لا تبذل أي مجهود وإنما تعتمد في ذلك على غيرها، وهذا شيء جميل يناسبنى تماما.. فياليتني أصبح كرة!).. ومن يومها تمنت العنزة أن تصبح كرة.. ولكن من يحقق أمنيتها؟! هي لا تعرف، ولذلك أصبحت حزينة شاردة، وبدا وزنها ينقص، وهذا ما لاحظه الراعي الصغير. فأخذها عند طبيب القرية العجوز الذي تخصص في اكتشاف أمراض الحيوانات وعلاجها. وعندما استفسر الطبيب من العنزة عن أى مكان من جسدها تشكو، أخبرته أنها ليست مريضة، ولكنها تتمنى أن تصبح (كرة)!

فوجئ الطبيب العجوز بما قالته العنزة.. وأحس بأن نحلة قرصته فصرخ موجها كلامه للراعي الصغير:

- عنزتك مجنونة.. أو ربما تكون مسحورة!

تساءل الراعي الصغير:

- وما الحل يا طبيب؟! وأين أجد علاجها!

- يقال إن هذا النوع من المرض العجيب الذى تشكو منه عنزتك ستجده عند البقرة الخضراء في جبل الهلوسة، وظل لمدة ثلاثة ايام بلياليها فىحضرة البقرة التى كانت تداوي العنزة ببعض المشاريب المصاحبة لهمهمات كلامية غير مفهومة.. وبعد أن دهنت جسمها بعجينة الياسمين والقرنفل سقتها مشروبا دافئاً وطلبت من الراعي أن يوقد بعض الحطب.. وظلت تتامل في عين العنزة وكأنما تقرأها ثم صاحت قائلة للراعي الصغير:

- إن عنزتك هى كنزك في المستقبل!

استفسر الراعي من البقرة:

- ما معنى ما تقولين أيتها البقرة الخضراء!

أجابته البقرة وأحس الراعي الصغير بصوتها يهز جبل الهلوسة:

- عنزتك أمامها طريق مفروش بعلامات تصل بك في النهاية إلى كنز من الذهب...

وفي تلك اللحظة قاطعت جدتي قائلا:

- يا جدتي هذه البقرة الخضراء مثل الدجالين من البشر الذين شاهدت بعضهم في بعض الأفلام والمسلسلات التلفزيونية!

أسكتتني جدتي بعد تهديدى بعدم إكمال الحكاية ثم أكملت الحكي:

- البقرة الخضراء طمأنت الراعي الصغير بأن عنزته ستكون سبب سعده ويجب ألا يفكر في بيعها بأى ثمن.

تعجب الراعي الصغير من كلام البقرة.. وأحس بشعور غامض.. وبأنه سيصبح عما قريب من الأغنياء، فاحتضن عنزته بحنان.. ولكنه سرعان ما أفاق على صوتها الخافت وهي تخبره ألا يصدق ما سمعه من البقرة.., ثم لو كان يحلم سمعها تردد: «اتمنى أن أصبح كرة!».

وعندما نامت العنزة زارتها أحلام كثيرة مختلفة.. وفجأة رأت نفسها وقد تحولت إلى كرة يلعب بها الأولاد ويقذفونها بأرجلهم.

في بادئ الأمر كانت راضية لأن أمنيتها تحققت وأعجبها أن يكون بعضهم يتقن المراوغة، والتنقل بها من لاعب لآخر. ولكنها وجدت نفسها داخل المرمى بعد أن نالت ضربة قوية في بطنها. تألمت لأن الضربات تكررت.. لم يعجبها الحال، وظلت تشكو بصوت ضعيف، ولم يكن أمامها سوى التفكير في الهروب والاختفاء. وفي الليل تمكنت من الهرب إلى الغابة والاسترخاء تحت شجرة. فجأة أحست بحمل ثقيل يدوس فوقها. الآن هي لا تستطيع التنفس. تستغيث بصوت مكتوم. لحظة وخف الحمل من عليها. فلما فتحت عينيها، رأت أحد الفيلة يحاول إمساكها بخرطومه، حيث تمكن أخيرا من الإمساك بها وطوحها بعيداً في الفضاء. كانت تصرخ، ثم أفاقت من النوم وتحسّست جسدها. إنها كما هي عنزة ولم تتحول الى كرة.

وها هم بقية القطيع قد تثاءبوا لأن شعاع الشمس قد بدأ يتسلل إلى الحظيرة.. وها هى تسمع وقع خطوات الراعي الصغير قادما لأخذ الجميع إلى المراعي للرعي والمرح لكي يحصل كل فرد من القطيع على رزقه، فكانت هي أول من خرج من الحظيرة لتستقبل يوما جديدا وهي تشعر أنها ولدت من جديد.. وأنها متحمسة للحركة والبحث عن طعامها دون كسل، فرفعت رأسها نحو السماء وخيل لها أنها تسمع صوت الشمس تقول لها بصوت دافئ حنون (الرضا بالمكتوب فيه راحة للنفس.. واطمئنان للقلب.. والبحث عن الرزق يحتاج إلى السعى.. والحركة).

سكتت جدتى ثم قالت متنهدة:

- وتوتة توتة.. خلصت الحدوتة.. ولكنها يا بني لم تخلص بالنسبة لبعض بني البشر الذين تأتي أمنياتهم سخيفة مثل العنزة التي حكيت لك حكايتها.. ولا تصدق أبدا من يقول لك بأنه يقرأ.. أو يرى المستقبل!

 


 

يحكيها لكم: مجدى نجيب