أينَ ذهبتْ أمُّ سامر؟

أينَ ذهبتْ أمُّ سامر؟

عندما استيقظَ سامر صباحاً، وتهيّأ للذهابِ إلى المدرسةِ، لم تكنْ والدته قد استيقظت بعد على غير عادتها، كانت توقظه من النومِ كلَّ صباح، وتهيئ فطورَه وتودّعه على البابِ.

دخل غرفةَ أمّه، لم يجدها، هو في الثامنةِ من عمرِهِ، توفي أبوه قبل ولادته بأشهرٍ، أصبحت والدته أباً له وأماً.

ذهب إلى المدرسةِ والوسواس يشغلُ رأسَه، وفكره عند أمه.. أين هي؟ أين ذهبت؟ لم يستطعْ متابعة شرح أستاذَه، بقي النهار ضائعاً ومتسائلاً وخائفاً، أين ذهبت أمُّه؟ وماذا حصل؟

وما إن دقّت ساعةُ المدرسةِ الرابعةَ حتى راح راكضاً إلي البيتِ، دخله وهو ينادي: أمي.. أمي.. دونَ جواب.

خافَ وسالت من عينيهِ الدموعُ، راح يتنقلُ من غرفةٍ إلى غرفةٍ، ومن نافذةٍ إلى نافذةٍ، ثم جلسَ على عتبةِ المنزلِ وقد غابت الشمسُ وسادت الشارع ظلمةُ الليلِ.

زادَ خوفُه وبقي وقتاً منتظراً والدموعُ تسيلُ من عينيهِ، إلى أن لمح من بعيدٍ امرأةً، راحَ يركضُ نحوَها وهو يصرخُ: أمي.. أمي.. لكن أملُه قد خابَ، لم تكن أمّه، بل الجارة أم فؤاد. استغربت أم فؤاد لوجودِ سامر في الطريقِ في هذه الساعةِ المتأخرةِ، وزاد استغرابُها عندما سمعت أن سامر ينادي: أمي.. أمي.. سألته أين أمك يا سامر؟ ما بك؟ لماذا أنت هنا؟

بكى سامر، قال لأم فؤاد إنه لم ير أمّه منذ الصباحِ.

استغربت الجارةُ وحاولت أن تخفي مشاعرَها، قالت بهدوءٍ: لا تحزنْ.. لماذا تبكي؟ لابد أنها اضطرّت للخروج لحاجةٍ ما، وستأتي.. لابد أن تأتي.. أخذته من يدِهِ وأدخلته بيتَها.

جلس مع فؤاد وهو من سنّه دون أن يقولا شيئاً، ينظر فؤاد إلى سامرٍ وهو مطأطئ الرأس باكياً.

مرّ وقتٌ ثم دعت أم فؤاد ابنَها وسامر أن يقوما للعشاءِ، وما إن جلسا للعشاء حتى طُرقَ البابُ، ونهض الثلاثةُ من أماكنِهم لفتحِ البابِ، رأي سامر أمّه، اقتربَ منها وسألها: أين كنت يا أمي؟ لقد خفت، كدت أن أجن. جلست أمُّ سامر معهم حول الطاولةِ وراحت تروي قصتَها، وهي قصةٌ بسيطةٌ جداً، المال الذي كانت تصرف منه للمنزل وحاجاته وللمدرسةِ وللأكلِ ولكلِّ ما تحتاج إليه الحياةُ اليوميةُ، هذا المال قد نفد: «رحت أبحثُ عن عملٍ منذ أكثر من أسبوعٍ، إلى أن قُبلت في محلٍ لبيعِ الأقمشةِ، وهكذا كان هذا اليوم هو أول يوم لعملي في هذا المحلِ، سألها ابنُها: لماذا لم تخبريني بذلك يا أمي؟ أجابته: صحيحٌ كان عليّ أن أحدّثك بالموضوعِ، لكني لم أشأ أن أشغل بالَك».

ثم قالت وهي تبتسمُ: الآن أنت تعلم أن أمكَ أمٌّ عاملةٌ، هذا دوري الآن، سيأتي دورُك عندما تصبح شاباً، عندما تنهي دراستُك إن شاء الله.

بقيت العائلتان وقتاً تتحدثان، ثم اعتذرت أم سامر من أمِّ فؤاد وابنها، وشكرتهما وعادت وابنها إلى منزِلها.

لم يستطع سامر أن ينامَ، بقي يفكّر طويلاً بأمّه، وقد ازداد حبُّه لها واحترامه، وقرّر أن يدرس أكثر وأن يجتهد ليصل إلى وقت يستطيع فيه أن يقومَ بواجباتِهِ ويعيل أمّه ويريحها، وهو يقول لنفسِهِ إنّ أمه تعمل أكثر من الرجالِ، إذ إنها تعمل في البيتِ، تطبخُ وتغسلُ وتديرُ شئونَه وشئون المنزلِ، ثم تعمل أيضاً في الخارجِ في ذاك المحلِ، محل الأقمشةِ.

هنا، أغمضَ عينيه مطمئناً ونام حتى الصباحِ. استيقظ قبل الوقتِ الذي يستيقظُ فيه، ليهيئ الفطورَ له ولأمِه، وكم كانت سعيدةً أمُّ سامر عندما رأت الفطور على الطاولةِ، قبّلت ابنَها وجلسا يأكلان، ثم خرجا معاً، الأمُّ إلى عملِها، والابنُ إلى المدرسةِ.

منذ ذلك الوقتِ، صار سامرٌ يساعدُ أمَّه في شغلِ البيتِ، فعند وصوله من المدرسةِ، يبدأُ بترتيبِ المنزلِ من المطبخِ حتى الغرفَ والدارَ.

كانت أمّه تدعو له بالتوفيقِ، عندما رأت في ابنها رجلاً مسئولاً عنها، كما هي مسئولة عنه.

 


 

بقلم وريشة: أمين الباشا