غَرينادا.. جزيرةُ القفزِ.. والتَّوابلِ.. كتبها: العربي بن جلون
غَرينادا.. جزيرةُ القفزِ.. والتَّوابلِ.. كتبها: العربي بن جلون
رسمها: رضوان الرياحي عنْدما حطّتْ بي الطائرةُ في مطار «سانت جورج» عاصمة جزيرة غَرينادا، وجدتُ صديقي (هنري) ينتظرُني، وبينَ يديهِ طبقٌ من جوزِ الهندِ. شكرتهُ قائلاً: أنتُم تستقبلونَ ضيوفكمُ بجوز الهند، ونحنُ نستقبلُ ضيوفَنا بالحليبِ والتَّمر. سألني باسماً: وماذا تُقدّمون لهم عندَ مغادرتهم؟ - كُتباً وحلويات، وتحفاً تقليديةً، مثلَ الصينية والإبريق والنُّحاسيين، وملابسَ فضفاضة كالجلباب. قال هنري على الفورِ: أما نحن، فنُحمِّلهم أكياساً من التّوابل، منها: القرفةُ، والقرنفلُ، والصّولجانُ، وجوزُ الطيب، وغيرها من التوابلِ، التي تكفي عشرينً في المائةِ من حاجياتِ العالم. لَفَت نظري، ونحنُ خارجان من المطارِ، صورةُ رجل معلّقة على الجدارِ، فسألتُهُ: من يكونُ صاحبُ تلك الصورة؟ وكأنهُ كان ينتظرُ مني ذلكَ السُّؤالَ: ألا تعرفه؟! إنهُ مكتشفُ أمريكا! - ولماذا لا تُعلّقون صورة زعيم أو أديب أو مخترع من وطنكُمْ! - صدقتَ، لكنّ (كريستوفر كولومبُسْ) اكتشفَ بلادي سنة 1498، وسمّاها (غرناطة) تلك المدينة العربية العريقةُ. ومع مرّ العصور، تحوّل الاسمُ إلى (غَرينادا).. انظر إلى الخريطة الملونة المعلقة بجانبه، تظهر لك غرينادا بين البحر الكاريبي، وشمال أمريكا الجنوبية. لمّا أراد الفرنسيون أن يحتلّوها عام 1651 تصدّينا لهم بشجاعة وبسالة، وحاربناهم إلى آخر نفس، لكننا لم نستطع أن ننتظرَ عليهمْ، ولم نرضَ أن ننهزمَ، في الوقت نفسه، فاجتمعنا كباراً وصغاراً، رجالاً وشيوخاً، نساءً وأطفالاً، وقفزْنا من أعلى الصخور إلى التّلال! تصوَّرْ، يا صديقي، قسماً كبيراً من الشعب، يتماسَكُ بالأيدي، في صفوف منتظمة، ويحْملُ أبناءهُ على الظهور، ثم يقفزُ، يقفزُ ليُضَحي بحياتِهِ، على أنْ يظلَّ محتلاً، ولم يحصُد المستعمرونَ منَّا إلا الريح! قُلْ لي: ألَسْنا شَعْباً بطلاً، يُحْتذى به في حُبِّ الوطنِ؟! أجبتُهُ حائراً: أجلْ، لكنْ، في نظري، كان عليكُمْ أن تُقاوموا المستعمر حتى يرحل كما فعل الجزائريون وسواهم! لا علينا، قلتَ لي تُسمَّى غَرينادا بـ «جزيرةِ القفْزِ» من أعلى الصُّخورِ؟ هزَّ رأسه موافقاً! وسكتُ لحظة، أتأمَّلُ الذاهبينَ والآيبينَ، ثم سألتُهُ: أرى أمامي أجْناساً بشريّةً مُتنوّعةً، فهُناكَ (الأراوكْ) السكانُ الأصليون، والأفارقة، والهنودُ، والأوربيونَ الوافدون وغيرهم كثيرٌ. قاطعني قائلاً: حقاً ما قُلتْ، لقد بقي القليل من الفرنسيينَ والبريطانيينَ، الذين ظلّوا يحتلّون بلدنا مائة وواحداً وتسعينَ عاماً، إلى أن نِلْنا الاستقلال سنة 1974. تناولتُ حبةً من جوزِِ الهند، أتلمَّظُها بشفتيَّ، منتشياً دون شعور منّي: اللهُ، اللهُ، يا صديقي، ما ألذَّ هذه الفاكهة الشهيّة، وما أحلى مذاقها! ضحك مني، فسألته: أجبني، لماذا تسمونَ هذه الفاكهة الحلوة اللذيذة بـ (جوزِ الهندِ)؟.. هل أنتم هنودٌ؟ - إن جزيرتَنَا تتعايشُ فيها أممٌ وشعوبٌ، كما لاحظتَ من قبل، منها الهنود الذين ضحّوا بحياتهم، فقفزوا من أعلى الصخور، وهم الذين نقلوا في الماضي البعيد إلى هذه الأرض الطيبة الأعراس الأولى لجوز الهند، فسُمِّي باسمِهِم. وهذه الفاكهةُ اللذيذةُ نَغرسُها ونعتني بها، ثمّ نجنيها ونجفّفها ونعبئها، ونصدّرُها إلى عدد كبير من الدول. والآن، كفى أسئلة وأجوبة، وهيّا نركبْ هذه الدراجة البخارية، لنقضي سويعات على شاطئ بحرنا الجميل، أو نتسلّق جبلَ (سانتْ كاتْرينْ) الذي يرتفعُ 2756 قدماً، نُمْلي عيوننا بالأنهار والشلالات والغابات الخضراء. حَبَّذْتُ فِكْرَتَهُ، فَقُلتُ لهُ بسرورٍ: حسناً نفعلُ، هيّا بنا حالاً!
|