طاغور .. أحد منارات الهند المضيئة

طاغور .. أحد منارات الهند المضيئة
        

          تحلَّق الأبناء على الطاولة بعد وجبة العشاء حول أبيهم أحمد، في أول يوم من أيام العطلة الصيفية، وبدأ السيد أحمد يحدث أبناءه عن ذكرياته وهو طفل بهذا المنزل قائلا:

          «رحم الله جدكم الشيخ عبدالعليم يا أبنائي، كان ينظم لنا مسابقات فكرية خلال عطلتنا الصيفية ليذكي فينا حماس الإقبال على قراءة الكتب من روايات وقصص وسير وتاريخ وجغرافيا».

          كان يخصص لنا جوائز قيمة... وكان يختار لكل واحد منا بلدًا وعلَمًا (شخصية) منه، ويطلب من كل واحد منا فتيانًا وفتيات، إنجاز عرض أمام أفراد العائلة في المسامرات الليلية الأسبوعية عقب المآدب التي كان يقيمها بهذا البيت الجميل... ومن الشخصيات الفذة التي حظيت شخصيًا ومبكرًا بالاطلاع على سيرة حياتها في إطار هذه الأنشطة، حكيم الهند وفيلسوفها وشاعرها، أحد مناراتها الفكرية المضيئة «رابندرانات طاغور»، وأريد بدوري بمناسبة مرور قرن ونصف  القرن (150 سنة) على ميلاده، أن أفتح لكم يا أبنائي شرفة للإطلالة على حياة هذا المفكر، الذي يعتبر جمعًا في صيغة مفرد، اجتمع لديه ما تفرق عند الآخرين، فقد كان شاعرًا وروائيًا وفيلسوفًا ورسامًا.

          ولد طاغور في 7 مايو سنة 1861 في مدينة كالكيتا بالهند، وعاش في كنف أسرة ميسورة. كان أبوه مصلحًا دينيًا واجتماعيًا معروفًا ومفكرًا بارزًا، عرف إخوته كلهم بنبوغهم وتفوقهم العلمي والأدبي، درس اللغة السنسكريتية (اللغة الهندية الأم) وآدابها واللغة الإنجليزية، ويعتبر أول أديب شرقي نال جائزة نوبل للآداب سنة 1913، عندما بدأ بنفسه ترجمة أشعاره ورواياته إلى اللغة الإنجليزية وبالخصوص ديوانه الشعري «قربان الأغاني» إذ عبرت أشعاره المختارة بعناية فائقة عن الجمال، كما نال سنة 1915 وسام الفارس من قبل ملك بريطانيا جورج الخامس، لكنه خلعه عام 1919 في أعقاب مجزرة «أمريتسار»، التي قتلت فيها القوات البريطانية المستعمرة للهند أكثر من 400 متظاهر هندي.

          قدم طاغور للتراث الإنساني أكثر من 1000 قصيدة شعرية، وحوالي 25 مسرحية بين طويلة وقصيرة، وثمانية مجلدات قصصية، وثماني روايات، بالإضافة إلى عشرات الكتب والمقالات والمحاضرات في الفلسفة والدين والتربية والسياسة والقضايا الاجتماعية. كما رسم في آخر حياته آلاف اللوحات، وكانت له صولات إبداعية في الموسيقى، إذ كتب ولحّن أكثر من ألفي أغنية، اثنتان منها أضحتا النشيد الوطني للهند وبنغلاديش. كما كان له الفضل في تأسيس جامعة «فيشقا - بهاريتا» (الجامعة الهندية للتعليم العالمي).

          ونحن يا أبنائي نتذكر هذه الشخصية العالمية في الذكرى المائة والخمسين لميلادها، أتمنى أن تتخذوا حكمه زاداً يقوي مسيرتكم في الحياة بالعبر والمواعظ والإرشادات. ولابد لي أن أذكر لكم بعضاً مما حفظته ذاكرتي من هذه الدرر:

من حكم طاغور

          - لا تستطيع أن تقلع عبير زهرة حتى ولو سحقتها بقدميك.

أدعية طاغور المأثورة:

          - يا رب ساعدني على أن أقول كلمة الحق في وجه الأقوياء وساعدني على ألا أقول الباطل لأكسب تصفيق الضعفاء.

          - يا رب إذا أعطيتني مالاً فلا تأخذ سعادتي، وإذا أعطيتني قوة فلا تأخذ عقلي، وإذا أعطيتني نجاحًا فلا تأخذ تواضعي، وإذا أعطيتني تواضعًا فلا تأخذ اعتزازي بكرامتي.

          - يا رب علمني أن أحب للناس ما أحب لنفسي، وعلمني أن أحاسب نفسي كما أحاسب الناس.

          - يا رب علمني أن التسامح هو أكبر مراتب القوة، وأن حب الانتقام هو أول مظاهر الضعف.

          - يا رب لا تدعني أصاب بالغرور إذا نجحت، ولا أصاب باليأس إذا فشلت، بل ذكرني دائما بأن الفشل هو التجارب التي تسبق النجاح.

          - يا رب إذا جردتني من المال فاترك لي الأمل، وإذا جردتني من النجاح فاترك لي قوة العناد حتى أتغلب على الفشل، وإذا جردتني من نعمة الصحة فاترك لي نعمة الإيمان.

          - يا رب إذا أسأت إلى الناس فأعطني شجاعة الاعتذار، وإذا أساء إليَّ الناس فأعطني شجاعة العفو والغفران.

          هذه دعوتي لكم يا أبنائي لكي تنهلوا مما ترك للإنسانية من ثروة فكرية ذات قيمة عالية.

 



بقلم: أحمد واحمان   

 










طاغور مع الزعيم الهندي غاندي