مفاهيم عصرية.. العولمة

مفاهيم عصرية.. العولمة
        

رسوم: أحمد عبدالنعيم

          الناس تنطق باسمي يوميًا.. ملايين المرات من دون أن يعرفوا من أكون.. أنا واحد من مفاهيم العصر، التي أساء الناس استخدامها .. على الأقل في اللغة العربية بسبب الترجمة أسموني «عولمة».. ولأن حروفي قريبة من الحروف نفسها لكلمة «العلم» فإن الكثيرين قالوا إنني ابنة «العلم»، وقارنوني به.ولأنني ولدت في عصر ازدهر فيه العلم، وأيضًا التقنيات، فقد تصوروا أنني على علاقة ما بالعلم.. ربما أنني أحد أسباب تطور العلم.

          لكن لا أبدًا.. العلم شيء .. والعولمة شيء آخر.    العلم هو الترجمة المألوفة لكلمة science، أما العولمة فهي Globalization، حيث جاء التعبير من كلمة Glob.. هل تعرفون معناها؟ إنها الكرة الأرضية بشكلها العام.. يعني العالم.. أي الدنيا، أي الكرة التي نعيش عليها.

          الأمر سهل لكنه يحتاج إلى توضيح.. أصدقائي الذين ساعدوني في التواجد هم الاتصالات، والابتكارات الحديثة، فقبل مائة عام، كان الناس يتنقلون بالسفن، ووسائل الانتقال التقليدية، أما الآن، فإن الأقمار الاصطناعية، والهواتف النقالة، والكمبيوتر قد اختصرت الأزمنة، وصار في إمكانك أن تتحدث إلى شقيقتك التي سافرت إلى كندا، وتراها كأنك معها بغرفة واحدة هذا الانتقال السريع نتجت عنه أشياء كثيرة، أهمها نقل البضائع بكل سرعة بين البلاد.. والأطعمة، والملابس، والنفط، وتطلب هذا أن تظهر الشركات العملاقة أو الشركات الدولية.

          في البداية، راحت بعض الشركات تحاول أن تجد لها زبائن، وفروعًا في بلاد عديدة من العالم، وأن تبيع منتجاتها إلى المواطنين في كل الدنيا.

          بدأت الحكاية بالمياه الغازية، والملابس الرياضية، وبعض الأطعمة.. كل الناس في العالم يعرفون هذا النوع من المياه الغازية، ثم صارت هناك أنواع عديدة متنافسة . في البداية، كانت الشركات تتبع الدول الكبرى، خاصةً الولايات المتحدة.. ثم ظهرت الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات.اً

          مثلاً، لا يمكن أن نقول إن شركة ما فرنسية أو بريطانية، أو أمريكية، أو عربية، لأن الأموال التي تساهم فيها متعددة الجنسيات.

          وهذه الشركات موجودة في كل أنحاء الدنيا.

          وأنت إذا مشيت في أي مدينة، من الكويت إلى باريس، إلى بكين، ونيودلهي، وموسكو، والقاهرة، فسوف تجد الناس تأكل الآن من المطاعم نفسها.. أو يرتدون الملابس نفسها.. الجينز مثلاً، أو يشربون المشروب نفسه، ويتنزهون بالأبنية التجارية نفسها التى تبدو كأن المهندس نفسه قد صممها.

          وهناك الأسواق الكبرى المصممة بالشكل نفسه، تحمل أسماء مختلفة، لكنها متشابهة، من الصعب أن تعرف مَن هو مالكها، وما جنسيته.

          وفي كل هذه الأسواق الكبرى، تجد غالبًا البضائع نفسها، معروضة بالكيفية نفسها، وصرت ترى ما في مدينتك موجودا في أي مدينة أخرى من العالم. هذه الشركات العالمية، متعددة الجنسيات، صارت تسيطر على العالم، وصارت تفرض مصطلح «العولمة» على الجميع.

          يعني أن ما في بيتك موجود الآن في جميع أنحاء بيوت العالم.. بداية من المعلبات، إلى الملابس والأثاث، وفيما قبل كان الناس يحملون الكثير من البضائع عند سفرهم إلى بلاد أخرى، أو عند عودتهم منها، والآن ما تجده في السوق الكبير أسفل منزلك، موجود في أي سوق كبير، في أي مدينة بكل أنحاء العالم. وشكا الناس من أن هذا التحول، قد يؤثر على هوية الشعوب أي أن الصناعات الصغيرة في خطر، والثقافات القومية قد تندثر.. وأن الغلبة للأقوى.

          فعلاً هذا صحيح، لكن هذه المخاطر صارت تدفع أصحابها إلى تنمية ثقافاتهم، وتشجيع الصناعات المحلية، وتطويرها.. فإذا كانت هذه الصناعات قوية فسوف تنمو .. وإذا لم تكن قابلة للتنافس، فستكون أمام خطر كبير.

          ولا تزال العولمة في طور التشكيل، إنها لم توفق بعد، لقد تحول العالم من حولنا إلى قرية صغيرة، ولاتزال وسائل الاتصال تطور نفسها، وتضيق المسافات بين الشعوب، ويزداد التقارب.

          أي أن المستقبل سيكون لي أنا «العولمة» من «العالم» وليس من العلم.

 



يكتبها: محمود قاسم