أصدقاء من ورق.. كتاب الجبر والمقابلة

أصدقاء من ورق.. كتاب الجبر والمقابلة
        

رسم: فاروق الجندي

          (فاقد الشيء لا يعطيه) حكمة كثيرًا ما سمعتَها صديقي وقرأتيها صديقتي في أكثرِ من كتابٍ، لكن صديقَ اليوم يُدهشُنا بما يقدمه لنا من معلوماتٍ عن ذلك الشيء الذي لا قيمةَ له، لكنه يشعُّ حضورًا وحيوية إذا ما كان وسط الآخرين بل ويضيف اليهم قيمة كبيرة، هذه ليست أحجية لكنها حقيقة علمية ورياضية يبوح لنا بها صديقُ اليوم (كتاب الجبر والمقابلة) للعالم أبو عبدالله محمد بن موسى الخوارزمي الذي وُلد بمدينةِ خوارزم غرب جمهورية أوزبكستان، وكان أول من عرف قيمة (الصفر) ومكانته بين الأعداد، فهو وحده لا يساوي شيئًا وموقعه يحدد مكانته، فإذا كان على اليسار فهو بلا قيمة، لكن وجوده على يمين العدد ينقله من خانة الآحاد إلى العشرات، ومن العشرات إلى المئات ثم الآلاف وغيرها.

          في مكتبة بيت الحكمة التي أنشأها الخليفة العباسي هارون الرشيد ببغداد، كان مهد صديق اليوم .. ففي هذه المكتبة العامرة بشتى أنواع الكنوز من الكتب والمخطوطات، درس محمد بن موسى الخوارزمي علوم الرياضيات التي طالما حلم بدراستها وتبسيطها للناس كافةً في مختلف أعمارِهم، إذ كانَ يؤمنُ أن الرياضيات ليست مجرد أرقام ساكنة ومعادلات لا تطبق في الحياة العملية بما ينفعُ الناسَ ويسهل عليهم أمور حياتهم وتعاملاتهم، لذلك قضى الخوارزمي شهورًا طويلة في الدراسة والتأمل ووضع الفروض النظرية ليتشكل أمامه ويولد بين يديه علم جديد هو علم الجبر (Algebra) الذي عرفه العالم باسمه العربي إلى يومنا هذا، وقصد الخوارزمي بلفظ الجبر الذي وضعه، التجديد والإصلاح بإضافة أو طرح مقادير متساوية من وإلى طرف المعادلة، فينتج عن ذلك إصلاحٌ، أو حلٌ، أو جبرٌ.

          في العام 830 ميلادية، ظهر للنور صديق اليوم، كتاب (الجبر والمقابلة) للعالمِ الخوارزمي، ليسهل المعاملات في البيع والشراءِ ووحداتِ القياسِ، والخوارزمي أصدقائي كان أول من فرّق بين علم الحساب والجبر، وأدخل نظامَ الأرقامِ بدلًا من الحروفِ التي كانت تُستخدم في عملياتِ الجمعِ والطرحِ والضربِ.

          في جامعة أكسفورد بإنجلترا، يسكن صديق اليوم «كتاب الجبر والمقابلة»، الذى ظل لقرون عديدة مرجعًا في جامعات أوربا وترجم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر، وكما ابتكر الخوارزمي نظام الأرقام، كان له الفضل في الكشف عن قيمة الصفر ودوره في العمليات الحسابية، فقال في سطور كتابه (في عمليات الطرح اذا لم يكن هناك باقٍ نضع صفرًا ولا نترك المكان خاليًا، حتى لا يحدث خلط بين خانةِ الآحادِ والعشراتِ).

          وهو ما تسير عليه النظريات الرياضية حتى اليوم ويرجع الفضل له في أنه أول مَن أدخلَ كلمة zero للغة اللاتينيةِ.

          صديقُ اليومِ كتاب «الجبر والمقابلة» وهو يعنى الاختصار، يدين بالفضل لمؤلفه الذي صارت حروف اسمه علمًا هو علم اللوغاريتم وهى تحريف لكلمة الخوارزمي alogritmi.

          في القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي عاش العالم محمد بن موسى الخوارزمي، ربما لم يتفق أحد من المؤرخين على تاريخ ميلاده أو رحيله، لكنهم جميعًا اتفقوا على مكانته وتأثيره في علمَي الجبرِ والحسابِ، فالعلمُ أصدقائي، شجرةٌ وارفةُ الظلالِ، غنيةُ الثمارِ، عطاؤها لا ينضب، وصديق اليوم «كتاب الجبر والمقابلة» لايزال في عصر الكمبيوتر ينبض في كل معادلة رياضية بالحياة.

 



قرأته لكم: سماح أبوبكر عزت