مبدعو الغد

مبدعو الغد
        

الفراشةُ الصغيرةُ

          لم تتخيل الفراشةُ الصغيرةُ أنها ستبتعد عن منزلِها هذه المسافةِ.. همستْ لِصاحبتها، يجب أن نعودَ، أمي نبّهتني ألاَّ نخرج من المزرعةِ.

          تعالت ضحكاتُ الرفيقةِ: جبانةٌ، أعلمُ أنك جبانةٌ .. هيا .. تعالي..

          سأريكِ زهرةً عذبةَ العطرِ، حاولت ألا تستجيب لنداءِ رفيقتها، لكنها لا تحبُّ أن يقال عنها جبانةٌ، انطلقت مع رفيقتِها حتى وصلتا لزهرة تفوحُ منها رائحةٌ طيبةٌ .. تمايلت الفراشةُ إعجابًا برائحةِ الزهرةِ، وتلك الألوانِ الجميلةِ التي تزيِّنُ صفحاتَها، نعم يبدو عسلُها طيبَ الطعمِ.. نظرت الفراشتان لبعضِهما وانطلقتا كصاروخٍ موجهٍ لقلبِ النبتةِ، وانغمستا بين ثناياها تلتهمان قطعَ العسلِ، المتناثرةِ بين زوايا حبيباتِ الطلعِ بنهمٍ وشرهٍ .. نسيت الفراشةُ الصغيرةُ نصيحةَ أمها: إياك الابتعاد عن حدودِ المنزلِ، إياك الاقتراب مما لا تعرفين أصلَه .. نسيت كلَّ شيءٍ إلا طعمَ حبيباتِ العسلِ، وبينما استغرقتا بالتهام طعامَهما المفضلِ، سادت السماءَ ظلمةٌ غريبةٌ .. رفعت الفراشةُ الصغيرةُ رأسَها بعد أن أنبأتها قرونُ الاستشعارِ بخطرٍ قريب ، ورأت الكارثةُ.. أوراق الزهرةِ ترتفعُ بهدوءٍ، هدوءٍ شديدٍ في محاولةٍ لضمّ فراشتين حسناوين اكتشفتا أنهما ضحيةُ فخ نصبته الزهرةُ لهما لتكونا وليمةً دسمةً لمعدةٍ جائعةٍ، حاولتا التملّص لكن الأوراقَ تضيّق الخناقَ عليهما حتى بات الموتُ وشيكًا.. بدأ الاستسلامُ يدبُّ فيهما إلى أن مُدّت ورقةٌ صغيرةٌ في قلبِ الزهرةِ تمسكتا بها جيدًا لتنقلهما لجانبٍ بعيدٍ عن الخطرِ.. بتعبٍ نظرت الفراشةُ الصغيرةُ لمنقذها، كانت أمّها، ابتسمت بتعبٍ شاكرةً، كان آخر ما سمعته من أمِّها: خبرتني جاراتي الفراشات أنكما ذهبتما باتجاه آكلةِ الحشراتِ، فلحقتكما.. باتت تستسلمُ للنومِ ولسانها يردد بثقلٍ: آخر مرة يا أمي.. آخر مرةٍ.

كتب القصة: وليد عزيزي - الجزائر
رسم: عبدالرزاق بومصباح - الجزائر