هل زرت من قبل صديقي ناطحة سحاب؟ هل حلمتِ صديقتي يومًا أن تتجولي في
بناء ضخم له أكثر من مائة باب؟
صديق اليوم هو أقدم ناطحة سحاب عمرها يرجع لأكثر من ألف عام، ناطحة
سحاب لها مائة واثنان وأربعون بابًا وعدد طوابقها ألف وخمسمائة طابق، تتجول فيها
فتشعر أنك طفت بالعالم أجمع، لمست تضاريسه بيديك، سرت بين السحب، صافحت النجوم
والكواكب وتنزهت بين بساتينه لتتنسم رائحة الزهور والرياحين التي كانت نقطة البداية
والأساس لهذا البناء الشامخ الحصين الذي شيده العالم أبوالريحان البيروني، كتاب
«القانون في علم الهيئة والنجوم».
فى مدينة بيرون عاش الصبي الصغير أبو الريحان وكان منذ طفولته عاشقًا
للطبيعة فحمل اسم أحد أبنائها، نبات الريحان.
درس أبو الريحان البيروني علم النبات والفلك على يد عالم يوناني وتعلم
أنه لا سبيل لتحقيق حلمه في الوصول لكل ما يحبه إلا بطريق واحد، هو طريق العلم،
فبالعلم نقترب من كل شيء ونلمسه.
رحل البيروني من بلدته بيرون إلى بخارى ليتردد على مكتبتها العامرة
بشتى أنواع الكتب، وهناك وجد نصفه الآخر الطبيب الفيلسوف ابن سينا، وأصبح العالمان
الشابان صديقين ولم يبخل كل منهما بعلمه على الآخر، وكم من المناظرات والمحاورات
العلمية كانت بينهما. آمن البيروني بأن العلم وحدة متصلة الحلقات يؤدي بعضها إلى
بعض، ومن تفوق في علم وتعمَّق فيه يمكن أن يتفوق في بقية العلوم، لذلك برع في علم
النبات والفلك والطبيعة والصيدلة والطب والفلسفة والتعدين وأودع كل ما تعلمه في
كتبه التي بلغت أكثر من مائة كتاب، أشهرها صديق اليوم كتاب «القانون في علم الهيئة
والنجوم»، الذي يتكون من ثلاثة أجزاء وعدد صفحاته ألف وخمسمائة صفحة وعدد أبوابه
مائة واثنان وأربعون بابًا.
صديق اليوم كان أول شاهد على عبقرية البيروني الذي برهن على كروية
الأرض ودورانها حول الشمس ودوران القمر حول الأرض، فسبق ببراهينه علماء الغرب بستة
قرون، وكان أسبق علماء الفلك في العالم في اكتشاف حركة الأرض حول نفسها ودوران
الأرض حول الشمس مرة كل سنة.
قاس البيروني طول السنة وعرف فصولها المختلفة وحدد أوقاتها كما حدد
الجهات الأربع الأصلية.
صديق اليوم كتاب «القانون في علم الهيئة والنجوم»، تسكن صفحاته رسومًا
تشرح كسوف الشمس وخسوف القمر وأسباب ظهور الفجر قبل شروق الشمس وكيف أن هناك مناطق
تشرق عليها الشمس فيكون الوقت فيها نهارًا ويكون ليلًا في بلاد أخرى كما أشرقت شمس
المعرفة في عقل البيروني فأنارت له طريق العلم.
صديق اليوم عرف أيضًا باسم القانون المسعودي، إذ أهداه العالم
البيروني للسلطان مسعود الذي كان دائما يدعمه ويشجعه على مواصلة أبحاثه، وعندما
أراد السلطان مكافأته بالمال رفض قائلًا كتبت كتابي هذا من أجل العلم لا من أجل
المال، فالمال يفنى والعلم خالد. عاش البيروني حياة حافلة بالعلم وكان يؤمن بأن
العلم طائر حر يتنقل في الفضاء لا وطن له ولا جنسية، لذلك فالكثير من الدول اتخذت
البيروني ابنًا لها وأنشئت في موسكو جامعة باسمه كما أصدرت الهند مجلدًا عنه، أما
جامعة برلين فتحتفظ بأبحاثه القيمة في أعرق جامعاتها. عن البيروني وعن صديق اليوم
كتاب القانون في علم الهيئة والنجوم، قال المستشرق الأمريكي آثر بوب:
«في أي قائمة لأكابر علماء الدنيا يقف البيروني في مكانة رفيعة، فمن
دونه لا يكتمل أي تاريخ للرياضيات والفلك والجغرافيا، فقد كان أبرز العقول المفكرة
في جميع العصور». ويظل صديق اليوم كتاب «القانون في علم الهيئة والنجوم»، قانونا
لكل طالب علم، تسكنه آلاف النجوم والرياحين التي عشقها البيروني فمنحته اسمها
وأريجها ليظل ينبض بالحياة على مر الزمان.