مغامرات قريص وورقة.. بقلم: عماد الجلاصي

مغامرات قريص وورقة.. بقلم: عماد الجلاصي
        

رسم: سحر عبدالله

          نسيم طفلٌ يعيش مع والديه ويحبّ المطالعة وله حاسوب في غرفته إلى جانب مكتبة مليئة بالقصص والحكايات المسلّية. ويعيش معه في الغرفة قرص مضغوط اسمه قُريص وورقة من كتاب وهما يتنافسان دائما فتقول ورقة لقريص:

          - أنا أفضل منك وأكبر منك ولدت منذ زمن بعيد وقد تعلّم النّاس العلوم والقصص من خلال الصّفحات الورقيّة. وانظر إلى تلك المكتبة الجميلة التي تزيّن غرفة نسيم إنّها من الورق. أمّا أنت فشكلك مدوّر. يجرح من يلمسه ولا أرى عليك كتابة ولا علما. كأنّك مرايا تعكس الوجوه ولا تحوي شيئا.

          فيقول لها قريص:

          - أخطأت يا ورقة. فأنا خفيف الوزن غالي الثّمن. أحمل آلاف المكتبات والموسوعات وعندما أدخل الحاسوب الكلّ أمامي يذوب. ويصبح منارة للمعرفة تقدّم المعلومات وأجمل الحكايات. أمّا أنت يا ورقة فتحتلّين الجدران. ثمّ تصبحين طعامًا للجرذان.

          ذات يوم خرج نسيم للنّزهة وأعجب بظلّ شجرة فقرّر الجلوس تحتها. واشتاقت نفسه لقصّة يقرأها.

          فقالت ورقة لقريص:

          - ما رأيك الآن؟ هل تستطيع أن تقدّم له قصّة في هذا المكان.أين التيار الكهربائي وأين الحاسوب حتّى تعمل يا صديقي؟ الكتاب لا يحتاج إلى هذا.

          قال قريص:

          - صدقت أنت الفائزة في هذه الجولة. ولكن انتظريني في الحلقة القادمة فقد أنتصر عليك.

          كان قريص مستمتعًا بالنوم مستغرقًا في أحلام لذيذة. وكان يرى في المنام أنّه أصبح قرصًا ذهبيّا لمّاعًا. وهاهو يشارك في مسابقة بطل الميغابايت في مهرجان الحاسوب ليحصل على لقب القرص العملاق.

          ولم يبق له سوى اجتياز الاختبار الأخير وتعلن لجنة التحكيم فوزه. تقدّم قريص إلى المنصّة. ثمّ فتح الحاسوب الدّولي بابه. وقيل له تفضّل يا قريص لنر في الشاشّة العملاقة ما عندك.

          تقدّم قريص بكلّ ثقة محيّيا الجمهور ورجال الإعلام. ثمّ استلقى على قفاه. وانساب برشاقة في بطن الوحدة المركزيّة. واختفى عن الأنظار. ساد القاعة صمت عميق. وتسارعت دقّات القلوب. في انتظار ما سيحصل. وتعلّقت العيون بالشّاشة. وفجأة دوّت صفّارة الإنذار التي انطلقت من الحاسوب مع صوت مدوٍّ:

          - حذارِ.. يوجد.. فيروس.. حذارِ يوجد.. فيروس.

          تدخّل رجال الإنقاذ بسرعة. وانفتح الباب بسرعة لافظًا قريصاً كأنّه جسم غريب متطفّل على هذه الآلة العجيبة. واستغرب قريص من هذه المعاملة المفاجئة. فبعد الترحيب والاستقبال الرائع. ها هو يغادر المنصّة والقاعة بسرعة. حتّى رجال الإعلام تجاهلوه ولم يكترثوا له وانشغلوا عنه بمتابعة المتسابق التّالي. وفي لحظات وجد نفسه في ركن مظلم يلفّه النّسيان. وقد كان منذ قليل وسط الأضواء السّاطعة.

          - ماذا حدث؟ لماذا انقلبوا عليّ؟

          - أنت مصاب بفيروس يضرّ بالأجهزة الإعلاميّة.. لذلك فلن يقبلك أيّ جهاز.

          - وامصيبتاه.. لقد انتهيت.. ولكن من يكلّمني؟

          - أنا صديقتك ورقة.. ألا تعلم أنّ خبرك يملأ الصّحف والمجلاّت؟

          - ألا يوجد حلّ لمشكلتي؟

          - الحلّ أن تتحوّل إلى كتاب. فتنجو من الفيروسات والاكتئاب. هههههه.

          - هل يبدو لك أنّ هذا الموقف يدعو إلى المزاح؟

          - حسنا أيّها المدوّر. يا من حمل بدل الدّروس. عجائب الفيروس. لا بدّ من إخضاعك إلى العلاج. حتّى تعود صافي المزاج. وسآخذك إلى أقرب مصحّة.

          كان الرّجل الذي استقبله يلبس ملابس بيضاء ولكنّه لم يكن طبيبًا فقد كان مهندسًا إعلاميّا. نظر إليه وقال:

          ستمكث عندنا بضعة أيّام. وأرجو أن يكون الفيروس نوعًا خبرناه. وسبق لنا أن قاومناه..

          - بقي قريص في المصحّة أيّاما خضع فيها إلى العلاج . ولكنّه كان حزينًا. فصديقته ورقة اختفت منذ أن ودّعته في باب المصحّة ولم تأت لعيادته. كأنّها تخلّصت منه. وكان هاتفها المحمول مغلقًا.

          وفي اليوم الذي قرّر المهندس مغادرة قريص للمصحّة. لمح صديقته ورقة في البهو. وهي تبتسم وبيدها باقة من الزهور وهي تقول:

          - الحمد لله على سلامتك يا قريص.

          - أين كنت يا ورقة؟ لماذا تخلّفت عن زيارتي؟ ولكن ماذا أرى؟ لقد تغيّرت يا صديقتي.. كأنّك صرت أصغر من سنّك. لقد اختفت التّجاعيد من وجهك. وصار جلدك ناعمًا لمّاعًا. وعاد إليك شبابك. واختفت من محيّاك علامات الشيّخوخة والكبر فما السرّ في ذلك؟

          - هاها.. أنت دقيق الملاحظة فقد اغتنمت فرصة دخولك إلى المصحّة وقمت بعمليّة شدّ الجلد وبعض التحسينات الأخرى كالّلصق والتّذهيب وغيرها.

          - وماذا تسمّى هذه العمليّة؟

          - نسمّيها التّسفير والتّجليد. وهي خاصّة بنا نحن الكتب وتجعلنا شبابًا على الدّوام.

          - كم يبلغ ثمن العمليّة؟

          - إنّه ثمن بخس وقد طلبت منهم أن يبعثوا الفاتورة إلى عنوانك.

          - لا بأس يا ورقة.. فأنت صديقتي. ولكن كم المبلغ بالضّبط؟

          همست ورقة في أذن قريص مخبرة إيّاه بالمبلغ. فصاح قريص:

          كم؟ ماذا قلت؟ هل هذا مبلغ زهيد؟ إنّ ما أحتكم عليه لا يغطّي نصفه.

          - ولكنّي نسيت أن أقول لك إنني اصطحبت معي كلّ المجلّدات من أفراد عائلتي.

          - لا.. لن أدفع شيئا.. أفهمت؟ لن أدفع شيئًا.

          عندها استيقظ قريص من المنام وهو يردّد:

          - لا.. لن أدفع شيئا.

          كانت ورقة تنظر إلى صديقها مستغربة. ولم تفهم ماذا يحدث. نظر قريص إليها وقال:

          - يا صديقتي ورقة، الجمال لا يقاس بالشّكل ولكن بجمال الرّوح. فلا تفكّري يوما في أن تقومي بعملية تجميل.. فهي غير مفيدة لك.

          لم تفهم ورقة ما قصده قريص.. وانصرفت متعجّبة من أمر صديقها.

 



عماد الجلاصي