خطّةٌ متينةٌ لإنقاذِ المدينةِ.. قصة من الفلكلور الصيني

خطّةٌ متينةٌ لإنقاذِ المدينةِ.. قصة من الفلكلور الصيني
        

رسم: نادين الخطيب

          كان ما يُقلق الجنرال «شانغ شوين» أنّه لم يستطع تفادي الحصار على مدينة «هيو يانغ» حيث يتمركز الآن مع الجيش، ولكن لابدّ له من إيجاد وسيلة للخروج من هذا المأزق وهو في طبعه لا يستسلم أبداً. طلب رؤية عمدة المدينة وقائد المعركة. وعندما حضرا سأل العمدة: كم يوماً يكفي مخزون الطعام المدينة؟

          أجابه العمدة: من المُحتمل أن يكفي عشرة أيام.

          بان الرضا على وجه الجنرال ثم اقترب من القائد وسأله: وماذا بالنسبة لذخيرتنا من الأسهم؟ أجابه القائد على الفور: يكفي المخزون ثلاثة أيام.

          كبت الجنرال مشاعر الإحباط وسأل: وما هي معنويات رجالنا؟

          أجابه القائد بقلق: تسود شائعة أننا سنستسلم في وقت قريب.

          ألهبت هذه الإجابة قلب الجنرال فخبط كفّه على الطاولة وصرخ بغضب شديد: لن نستسلم أبداً! إنّه الفخ الذي يُريد أعداؤنا أن يُوقعونا به. إنّهم يُحاصرون المدينة حتى نجوع وتفرغ منا الذخيرة فنستسلم ولا أمل بوصول مساعدة خارجية. ساد الصمت للحظات ثم رفع الجّنرال صوته قائلاً: 

          أؤكد لكما بكل ثقة أننا سنهزم أعداءنا ونفكّ الحصار عن المدينة، وأنّ مائة ألف سهم سوف تصل مدينتنا خلال يومين فقط. قال القائد له: هل أذكّرك أيّها الجنرال أنّ أعداءنا قطعوا كل الطرقات عن المدينة؟ أجابه الجنرال بهدوء: كلامك صحيح لكن أريدك أن تثق بوعدي، ثمّ أعطى أوامره قائلاً: اجمع كميّة كبيرة من القش حتى لو اضطررت أن تدفع ثمنها واصنع من القش ألفًا وخمسمائة دمية على شكل إنسان. ثمّ أحضر خمسين ضارب طبل. استمع الرجلان إلى الجّنرال بِحيْرة ولم يفهما مغزى أوامره.

          وعند منتصف الليل أعطى الجّنرال أوامر جديدة قام القائد بتنفيذها على الفور. اصطف جندي واحد خلف كل دُميتين على امتداد سور المدينة. وبعد ذلك أشعل الجّنرال مشعله ورفعه عالياً مُعطياً إشارة الهجوم إلى الجنود. وكما تبتدئ الحروب عادة، قُرعت الطبول ثمّ انبطح الجنود على بطونهم وأخذوا يُحرّكون الدمى حتّى بدت للناظر من خارج المدينة أنّهم يستعدّون للهجوم. ما إن سمع الأعداء المخيّمون حول المدينة صوت الطبول حتّى تأهبوا للحرب وأمطروا سور المدينة بآلاف السّهام مستهدفين الجنود الذين يرونهم دون أن يعرفوا أنهم رجالٌ من القش. استمروا برمي السهام طوال الليل. وعند مطلع الفجر رفع الجنرال «تشانغ» مشعله مشيراً إلى جنوده سحب الدمى من السور. توقّف الأعداء عن رمي السّهام وساد الهدوء كل المكان.

          اقترب القائد من الجّنرال في غرفة العمليّات وقال له بابتسامة عريضة: لقد جمعنا حوالي 63 ألف سهم والفضل يعود إلى مخطّطاتك سيّدي الجّنرال. ابتسم له الجّنرال وقال برضى كبير: بل الفضل يعود إلى أعدائنا الأغبياء. وحتى نجمع المزيد من السهام أريد أن يتكرّر الهجوم الوهمي لعدّة أيام، ولديّ أوامر جديدة. أطلب منك تهيئة ألف رجل من خيرة الرجال الذين لا يهابون المخاطر مهما عظمت. أجابه القائد: حاضر يا سيدي، لكنني لا أعتقد أننا سنستطيع خداع عدوّنا أكثر من مرّة. هزّ الجّنرال رأسه موافقاً ثمّ قال له: نفّذ أوامري كما هي وانتظر أوامر جديدة. انخدع العدو لليلة أخرى وفي الليلتين الثالثة والرابعة لم يرم أي سهم. كان جنود الجّنرال يخشون أن يقوم الأعداء بهجوم انتقامي ضخم بين لحظة وأخرى ولكن لم يحدث مثل هذا الأمر. وفي الليلة الخامسة طلب الجّنرالُ منع التجوّل في المدينة منذ بدء مغيب الشمس. كان الجميع في حالة من التلبّك والخوف من أوامر الجّنرال الجديدة فقد أمر أن يُرمى رجال القش جانباً ويقف مكانهم الألف رجل وبعد ذلك أعطى أوامره بقرع الطبول والاستعداد. وكما توقّع لم يتحرّك الأعداء. ظنّوا أن بالأمر خدعة بينما تحرّك رجال الجّنرال بخفّة في الضباب الذي لفّ المكان وتوجّهوا إلى خيم الأعداء بقيادة قائد المعركة، وعلى غفلة اشتبكوا معهم في قتال واستطاعوا حرق خيمهم بالمشاعل التي حملوها. مات من مات وهرب من هرب وانتهت المعركة بفوز ساحق للرجال الألف ودخلوا مدينتهم من بابها . كانت المشاعل تزين بوابة المدينة وبين مئات الناس الذين كانوا في استقبال الرجال العائدين وقف الجنرال يرحب بعودتهم منتصرين. ألقى التحية العسكرية وقال للقائد بحرارة: شكراً لك أيها القائد لقد أنجزت المهمة بنجاح.

 



إعداد: سناء شبّاني