فرحٌ.. في حديقةِ الأربعينَ مُهَرِّجًا

فرحٌ.. في حديقةِ الأربعينَ مُهَرِّجًا
        

          من هو المُهَرِّجُ؟

          هل هناك مُهَرِّجون حقيقيون؟

          هل كان هناك مُهَرِّجون في العصور الماضية؟

          هل يأكلُ المُهَرِّجون مثلنا؟ وهل يبكون أحيانًا أم أنهم ضاحكون دائمًا؟

          مائة سؤال وسؤال واجهتني بها ابنتي فرح حين قلتُ لها إننا سنزور حديقة الأربعين مُهَرِّجا بالجمهورية التركية.

          كان عليَّ أن أحكيَ لها عن أصْل هذه الحديقة، ونحن نتجهُ إلى موقعِها، في إستانبول، المدينة التي يقع جزءٌ منها في قارةِ آسيا، ويقع جزؤها الآخرُ في قارة أوربا، وكانت عاصمة للأتراكِ، قبل أن يبنوا عاصمتَهم الجديدة مدينة أنقرة، في قلبِ البلادِ.

          كانتْ قصورُ السَّلاطين في الماضي القديم تستقبلُ العلماءَ والفلكيين والأدباء والخطاطين، وكانت هذه القصورُ تستقبل أيضًا المُهَرِّجين واللاعبين المهرة الذين كانوا يقدِّمون فقراتٍ مضحكةً، وأحيانًا خطرة، فمنهم من كان يشعل النار في الهواء، ثم يضعُ الشعلة في فمه، ومنهم من يستخدم الحيلة ليخرج البيضة من كُمِّ قميصِه، وكانوا يستخدمون مهارة الأيدي، وخفتها، وسرعة حركة الجسد وليونتِه ليؤدُّوا حركاتٍ تُسَرِّي عن المشاهدين، سواء كانوا من أصحابِ القصْر، أو من زوارهِ.

          كانت فرحٌ تستمعُ إليَّ حتى وصلنا، فصاحتْ وهي تشير إلى الحديقة التي امتلأت بالتماثيل العملاقة للمُهَرِّجين:

          هذه هي الحديقة، أستطيعُ أن أرى المُهَرِّجين من هنا!

          قادنا الدليلُ إلى الحديقةِ التي تُسمَّى مُتْحَفَ المهرجانات. إنها الفكرة التي ابتكرها مهندس اسمه شكيب داواز، وأخرج فيها أشكال المُهَرِّجين من الكتبِ القديمةِ ليصنعَ تماثيلَ لهم بالحجْم الضخم، حتى نتذكرَ اليوم أشكالهم التي كانوا عليها بالأمس.

          الغرفُ الخاصة بالمُهَرِّجين محاطة بالمرايا، لذلك كانت فرحٌ سعيدة وهي ترى نفسها بين المُهَرِّجين، وبدأت تحلم بأنها تتحدث إليهم. سألت فرحٌ أحدهم، وكان يركب حصانًا:

          أنا لا أرى أقدام الحصان!

          شرحتُ لها:

          الخيول التي يرقصُ فوقها المُهَرِّجون، هي خيول مصنوعة من القماش، وهم يرتدونها مثلما يرتدون الملابس، كما تلبسين أنت التنورة يا فرح. يلف المُهَرِّج جزءًا منها على جسمه، ويتحرك ويميل فيخيل إليك أن المُهَرِّج يرقص فوق الحصان.

          قال الدليل:

          كان السلطان في قديم الزمان يجلس في شرفة قصر إبراهيم باشا، ويأمر فرقة الأربعين مُهَرِّجا بالغناء وأداء الفقرات. لم يكن ذلك يحدث كل يوم، بل تكون هناك مناسبة مثل مولد أو زيارة مهمة.

          قالت فرح:

          أنا أريد أن أحظى باحتفال مماثل!

          قلت لابنتي فرح:

          لقد انتقل المُهَرِّج الذي كان مخصصًا لعدد قليل من الناس، ليسعد الآلاف، يوميًا. وأنت تشاهدينه في السيرك، وكذلك في فقرات البرامج التلفزيونية. لقد خرج المُهَرِّج من القصر، ولكنه لم يتخل عن دوره في إسعاد الناس.

          ضحكنا كثيرًا، وحين اتجهنا لمغادرة حديقة المُتْحَف، شعرنا كأننا عدنا من الماضي إلى العصر الحاضر.

          عند باب المُتْحَف، كان هناك تمثال لرجل يعزف في بوقه. قلت لفرح:

          لابد أنه يعلن عن نهاية الرحلة.

          ردت فرحٌ وهي تبتسم:

          لا يهم، لقد قررت أن أصنع بعض المُهَرِّجين من الورق المقوى وأضعهم في غرفتي، فإذا انتهيت من دروسي، طلبت منهم أن يقدموا فقراتهم المسلية لي، وربما أشاركهم فرحتهم بالغناء.

          ابتسمتُ وأنا أقول لها:

          وبذلك تصبح لدينا حديقة الواحد والأربعين مُهَرِّجًا!

 



مروة إسماعيل