النملُ صانع المصائدِ

النملُ صانع المصائدِ
        

          لماذا يتخيّل البعض أنني لا أبذل مجهودًا في الحصول على غذائي، هل لأنني أتجنب دومًا الحديث عن نفسي، أصدقك القول أنني أخشى أن تنعتني بالدموية عندما تشاركني رحلة الحصول على غذائي، إلا أن تهمة الكسل عندي أشد وطأة لو تعلم بين بني الحيوان.

          لقد جئت إلى تلك الحياة يا عزيزي ضعيفةً واهنةً، وعندما اكتمل نموّي لم أزد على المليمترين طولاً، تخيلني إذن وأنا أسكن غابات أمريكا الجنوبية المطيرة وحوض الأمازون وأنا بمثل ذلك الوهن، نملة صغيرة ذهبية اللون ذات رأس كبير وعينين ضيقتين، لا يأخذ بأزرها سوى أن لها فكًا قويًا، سرعان ما عرفت حقيقته الضعيفة هو الآخر عندما أخذت الحشرات تطير من حولي وأنا أحاول اصطيادها، وكأنها تسخر مني في كل مرة، ولسان حالها يقول: «لقد جئت إلى تلك الحياة لكي تتضوّري جوعاً، يا لك من نملة مسكينة!»، لكني لا أتخيل إرادتي بمثل ذلك الضعف، لقد بدأت فورًا في التغلب على عجزي، صنعت الثقوب في الأشجار التي أقطنها، وبطنتها بلحاء الشجر الذي خلطته بلعابي، وبدأت في زرع مثل تلك الفخاخ اللزجة من حولي، في داخل تلك الفتحات اختبأنا جميعًا ونحن نمني نفسنا بصيد ثمين، ونحن ننتظر في تلك الكمائن، يأتي مثل ذلك الصرصور المنتفخ، يحاول أن يستكشف ذلك الفرع فيمد أطرافه الطويلة داخل ثقوبنا، يتحسسها ممنيًا نفسه بمكان يريحه من عناء التنقّل بين الأشجار.

          إن من السهل علينا أن نجعله يطمئن بأنه قد وجد ذلك المكان الذي سيرتاح فيه، وربما للأبد!

          عندما تأخذ فريستنا وضعها المناسب لنا، يأتي دورنا للانقضاض، يمسك بعضنا بنهايات أطرافه جيدًا، ويسحبه البعض الآخر إلى داخل تلك المصائد، أما الآخرون فيبدأون في لسعه جيدًا حتى يغيب عن الوعي، وعندما يقترب مثل ذلك الصرصور من حافة الموت، نبدأ في تقطيعه بفكاكنا القوية ونقله إلى داخل أعشاشنا، فصغارنا في حاجة إلى مثل ذلك الغذاء الغني بالبروتين.

          من فضلك لا تنعتنا بالهمجية ولا الوحشية، ألا ترى ذلك العنكبوت المجاور لنا ينسج عشه ليل نهار منتظراً فريسته هو الآخر، إنها سُنّة الطبيعة التي لن يستطيع أحد تغييرها.

 



أحمد عزمي