جدول الضرب

جدول الضرب
        

          من شقاوتي وعنادي، كانت أمي تناديني، ساخرة: «يا مضروب في قلبك».. حتى اعتقدت في يوم من الأيام أنه اسمي الحقيقي! كنت ضاربًا ومضروبًا.

          وكان أبي يستخدم في عقابي نوعًا من الخيزران الذي يلتف حول نفسه، ويسمّع صوته لآخر الشارع مشاركة منه في صراخي!

          وعندما التحقت بالمدرسة، سمعت منذ اللحظات الأولي عن شيء، اسمه: ضرب الجرس.

          وفي سذاجة بالغة، أعلنت عن حيرتي: هل نحن الذين نضرب الجرس، أم هو الذي يضربنا!

          وقد فهمت بعد ذلك أن المقصود: أن الجرس يُقرأ، لتنبيهنا بالدخول إلى المدرسة والانصراف منها، وبين الحصص، وقبل الاستراحة المعروفة بالفسحة (الفرصة). ولا أنسى يوم دخل علينا مدرّس الحساب، وأخبرنا أنه سيعطينا جدول الضرب، وظننت أنه سيعمل لنا جدولاً يحدد فيه أسماءنا، واليوم نضرب فيه! هذا المدرس، طلب منا أن نبدأ في حفظ جدول الضرب، وبالتحديد: المراحل الثلاث الأولى.

          وفي حصة الحساب التالية، كان عليّ أن أقف مع بعض زملائي عند السبورة السوداء، لأننا لم نحفظ المطلوب منا جيداً. وعندما فرغ المعلم من تسميع بقية تلاميذ الفصل، توجه إلينا نحن المهملين الكسالى، وقال لنا: إن الله سبحانه وتعالى، خلق الإنسان فأحسن تصويره، ومنحه الكرامة والعزة، وأي إنسان يقدّر عطية الله، ويحترمها، ويحترم ذاته وآدميته، لا يتصرف أي تصرّف يجعل الآخرين مضطرين لعقابه وضربه. سأسامحكم اليوم، على وعد منكم بالاجتهاد والاهتمام بدروسكم، وحفظ ما يجب حفظه، حتى لا تتعرضوا للتوبيخ والعقاب.

          وعندما عدت إلى البيت، أخذت أفكر في ما قاله لنا المدرس، بضرورة أن يحترم المرء نفسه ولا يضعها موضع اللوم والعقاب والضرب كما تضرب الحيوانات العجماء، وقررت منذ ذلك اليوم أن أحترم نفسي، لكي يحترمني الآخرون، وأن أؤدي واجباتي تقديرًا لشخصي واحترامًا للمعرفة لا خوفًا من عقاب، وأخذت انكب على جدول الضرب، أسابق ما يلزمنا به المدرس، وهكذا فعلت مع كل المدرسين ودروسهم وفروضهم.

          لقد غيّرت عبارة المدرس الذي احترم آدميتي ونصحني قبل أن يعاقبني، فاجتهدت ألا أعطيه ولا أعطي غيره فرصة ليعاقبني، بل وصرت جدولاً للضرب، فضاعفت من جهدي، ومن ثقافتي، فصرت كأنني أكثر من شخص واحد في واحد!

 



بقلم: عادل عطية