قصصٌ من التراث الشعبي

قصصٌ من التراث الشعبي
        

رسوم الفنان: نجيب فرح

قصة من تراث شعب التيبت
التاجرُ والمحتالُ

          لم يكن هناك في المدينة شخصٌ لا يعرف التاجرَ «ميما». التاجرُ «ميما» كان إنسانًا شريفًا، دائمًا كان جاهزًا لخدمة الناس وكان يساعد الفقراء في حل مشكلاتهم. والناس بدورهم كانوا لا ينسون هذا الجميل، فمنهم من كان ينقل بضاعة التاجر على حماره، ومنهم من كان يحمل الماء إلى منزله، ومنهم من كان يعد الشاي له. هذا، عدا اللص «بيانبا» الوضيع الذي كان يكره ميما لأنه كان يشبهه تمامًا سواء بطول قامته أو بمشيته أو بشكله.

          كل سكان المدينة كانوا يحبون ويحترمون «ميما»، بينما كانوا يكرهون المحتال بيانبا. ولذلك قرر «بيانبا» الانتقام من شبيهه.

          ذات مرّة، نوى «ميما» الذهاب إلى المدينة المجاورة لبيع ما لديه من أقمشة الحرير. رآه «بيانبا» وعلى الفور ارتدى رداءً يشبه إلى حد كبير الرداء الذي يرتديه «ميما» وذهب في أثره. وعندما أصبحت بيوت المدينة المجاورة في مرمى البصر، انطلق «بيانبا» جريًا نحو «ميما» واختطف من على كتفه سلة لفافات أقمشة الحرير.

          صرخ «ميما» بكل ما أوتي من قوة: أمسكوه يا ناس أمسكوه.

          توقف «بيانبا» الذي لم يكن يفكر بتاتًا في الهرب. تجمع الناس حولهما وهم في حيرة من أمرهم مما يدَّعي الخصمان.

          يقول الأول: هذه سلتي. كان ينوي أن يأخذها مني! أنا التاجر ميما!

          ويقول الثاني: لا تصدقوه، هو الذي نزع السلة من على كتفي!

          وهنا خرج من بين الحشد عجوز وقال: نحن لا نعرف من يكون من! إنكما متشابهان جدًا فطول قامتيكما واحد وصوتاكما متطابقان، ويصعب التمييز بين ردائيكما. فلنذهب إلى القاضي وليقرر هو من منكما صاحب الحق ومن منكما المذنب.

          وأخذوهما إلى القاضي.

          بعد أن سمع القاضي العجوز كلا منهما قال: ضعا لفافة واحدة من الحرير على الطاولة. وعندما ألّوح بهذا الصولجان يسعى كلاكما في نفس الوقت بجرِّ أقصى ما يمكن من القماش إليه ومن يستحوذ على كمية أكبر فسيكون هو «ميما» الحقيقي.

          وبعد أن انتهى القاضي من كلامه لّوح بالصولجان.

          ارتمى «بيانبا» على الحرير بجسده، وأمسكه بشدة ثم جذبه بقوة مما جعل القماش يطقطق. أما «ميما» فقد وضع يده برفق وحذر على الحرير لأنه كان حريصًا على ألا يتمزق القماش الجميل!

          - الآن أدركت من منكما ميما الحقيقي. هذا الحرير لم يكن ملكك أبدًا. وجه القاضي كلامه إلى «بيانبا»، إنك لم تحافظ على القماش ومزقته. وهذا يعني أنك لست صاحبه، لست «ميما». أما أنت أيها التاجر المحترم «ميما» فقد حافظت على بضاعتك ولم تمزقها. خذ السلة واذهب بسلام ومارس تجارتك في مدينتنا.

          ثم نادى القاضي على الحراس وأمر بسجن بيانبا عقابًا له على فعلته.

قصة من التراث الهندي
نهاية الطمع

          في إحدى القرى الهندية القريبةِ من البحر كان يعيش فلاحٌ طماع وبخيل جدًا.

          ذات مرة اشتهى هذا الفلاح ثمار جوز الهند. فذهب إلى السوق وفي حوزته روبية (عملة هندية) واحدة. دخل إلى دكان وسأل صاحبه: بكم جوز الهند؟

          رد عليه صاحب الدكان: بأربع آنات (الآنة جزء من الروبية).

          ثم سأله الفلاح باهتمام: وهل تدلني على دكان آخر يبيع ثمار جوز الهند بثلاث آنات؟

          أجابه البائع: اذهب إلى الدكان المجاور.

          ذهب الفلاحُ البخيلُ إلى الدكان المجاور ولكنه لم يشترِ شيئًا حيث إنه كان يظن أنه من المحتمل في مكان ما أن يجد ثمار جوز الهند بسعر أرخص وتابع بحثه. وظل على هذه الحال لساعات وهو ينتقل من دكان إلى آخر حتى وجد دكانًا يبيع ثمار جوز الهند بآنة واحدة.

          خاطب الفلاحُ البخيلُ البائعَ: أخبرني أيها الصديق، هل تدلني على مكان من الممكن الحصول فيه على ثمار جوز الهند مجانًا؟ حيث إنه يحزنني أن أعطيك نقودي.

          أجابه البائع: اذهب إلى هناك، إلى شاطئ البحر. هناك تنمو أشجار جوز الهند. اقطف بنفسك ثمار جوز الهند وستحصل عليها مجانًا.

          فرح البخيل عند سماعه ذلك، ذهب إلى شاطئ البحر، ووجد شجرة جوز الهند ثم صعد إلى أعلى الشجرة وبدأ بسحب ثمرة جوز الهند. لكن الثمرة استعصت عليه. عندها قام الفلاح بكل ما أوتي من قوة بشد الثمرة. لكنه لم يستطع أن يقطفها وفقد توازنه وكان على وشك السقوط من الشجرة. ولكنه بأعجوبة استطاع أن يتشبث بالثمرة وأصبح معلقًا في الهواء.

          وفي هذه الأثناء، مرَّ بالقرب منه شابٌ يمتطي فيلًا.

          أخذ الفلاح يتوسل إليه: أرجوك ساعدني! دع الفيل يقترب من هنا، وأنت قف على ظهره وقم بسحبي إلى الأسفل. وسأعطيك مقابل هذا عشر روبيات.

          وافق الشاب على ذلك ثم جعل الفيل يقترب من الفلاح وصعد على ظهره ليتمكن من سحب الفلاح، لكن فجأة ابتعد الفيل عن مكانه. فاضطر الشاب أن يتمسك بقدمي الفلاح حتى لا يقع وأصبح كلاهما معلقًا في الهواء.

          بدأ الشاب بالصراخ: تمسك جيدًا بثمرة جوز الهند! إذا تمسكت بالثمرة ولم تفلتها من يديك سأعطيك عشرة آلاف روبية!

          بعد أن سمع الفلاح هذه الكلمات كاد أن يجن جنونه وقال في نفسه: عشرة آلاف روبية.. بهذا المبلغ يمكن الحصول على مئات بل آلاف مثل هذه الثمرات! فلماذا إذن أتمسك بهذه الثمرة التافهة؟ جالت هذه الفكرة في رأسه وبعد ذلك ارتخت قبضة يديه من تلقاء نفسها وأفلت الثمرة. سقط كلاهما وهويا معًا بقوة في البحر وغرقا.

          وهذا ما يؤدي إليه الطمع.

قصة من التراث الإيراني
الدبُّ الغبيُّ

          رأى الدب في منامه أنه قد نجح في الحصول على ثلاث قطع دسمة من اللحم. استيقظ من نومه في الصباح وذهب للبحث عن هذه القطع، من يدري لعل حلمه يتحقق!

          شاهد الدب من بعيد تيسًا، فاتجه إلى ناحيته مسرعا. وعندما أحس التيس أنه لا مجال له للهرب لم يرتبك وإنما اقترب من الدب وألقى عليه التحية.

          فسأله الدب: هل تعرفني؟

          أجاب التيس: طبعًا، الكل يعرفك أيها الدب العميد. وبالأخص أنا حيث إنني كنت مطربًا محبوبًا في حاشية أبيك.

          فطلب الدب: إذن أسمعني غناءك.

          بدأ التيس بالمأمأة بصوت عالٍ وسمعه الراعي فأتى جريًا وبصحبته كلاب الرعي. ضرب الراعي الدب بالهراوة فيما قامت الكلاب بعضه. بالكاد تمكن الدب من التخلص منهم والهرب.

          تابع الدبُ سيره فصادف في طريقه خروفين وأسرّ في نفسه «سوف آكلهما». نادى على الخروفين بالاقتراب منه. وبعد أن تأكد الخروفان أنه لا سبيل للهرب. اتفقا على شيء فيما بينهما واقتربا من الدب وقالا له:

          - نحن سعيدان جدًا بأننا سنكون طعامًا لحضرة العميد.

          وبدأ الخروفان في الجدال من سيكون أول خروف يأكله الدب. وأخيرًا اقترح واحد منهما الآتي:

          - بعد موافقتك أيها العميد المحترم سنتقاتل بقروننا. والفائز سيكون أول خروف منا تأكله أيها العميد.

          تم اختيار الدب ليكون الحكم. تراجع الخروفان مسافة خمسين خطوة إلى الوراء ثم ضربا معا الدب بكل ما أوتيا من قوة على جنبه بقرونهما! سقط الدب المسكين أرضا وعندما عاد إلى وعيه لم ير للخروفين أثرًا.

          بعد ساعات قليلة نهض الدب وتابع سيره. وفي الطريق قابل بعيرًا. فقال في نفسه: هذا أحسن شيء لأنه أكثر لحمًا وأكثر دسمًا.

          بدأ الدب بالصياح بأعلى صوته: أيها الجمل! قف، لقد رأيت في الحلم أنه يجب عليّ أن آكلك!

          رد عليه الجمل: تحياتي لك ياحضرة العميد.

          سأله الدب: من أين تعرفني؟

          أجابه الجمل: ومن لا يعرفك! وبالأخص أنا لأنني ساعي بريد أبيك. والآن ايضًا أحمل لك رسالة من أبيك.

          سأله الدب: أين الرسالة؟

          أجابه الجمل: الرسالة مكتوبة على حافري.

          وما أن جلس الدب القرفصاء ليقرأ الرسالة حتى رفسه الجمل في صدره بقوة وأبعده عنه بمسافة عشر خطوات مما أفقد الدب وعيه.

          وقبل غروب الشمس بقليل عاد الدب إلى وعيه وأدرك أخيرًا كيف كان يجب أن يفسر حلمه.

قصة من التراث التركي
مَن حفرَ حفرةً لأخيه..

          كان عجوزٌ فقيرٌ يكرر دائمًا عندما يتسكع في الطرقات، طلبًا لصدقةٍ من الناس: من زرع حصد.

          ذات مرة، طرق العجوز باب أحد الأغنياء في القرية. فتحت الباب زوجة الغني وعندما رأت الفقير طلبت منه الانتظار قليلًا وعادت هي إلى داخل المنزل. ثم خرجت وفي يدها فطيرة محلاة وناولتها للفقير وهي تقول: ليس عندنا الآن خبز، خذ هذه الفطيرة، وفي المرة القادمة سأعطيك ما تطلب.

          أخذ العجوز الفطيرة، شكرها ومضى في طريقه. وما أن وصل إلى مشارف القرية حتى رأى فتى يتلوّى من الألم. سأله الفقير ما خطبه. أخبره الفتى بأنه سافر إلى بلدان بعيدة وبعد أن عاد من الغربة وهنت قواه تمامًا بسبب الجوع ولا يستطيع أن يكمل مشواره.

          أشفق العجوز على الفتى فأعطاه الفطيرة، التي أعطته إياها زوجة الغني، ونصحه أيضا أن يقطعها ويأكلها على شكل لقيمات صغيرة. وسار العجوز بعد ذلك في حال سبيله.

          بعد أن تناول الفتى قطعة صغيرة من الفطيرة تابع طريقه متجها إلى القرية. بعد فترة قصيرة، جلس الفتى وتناول قطعة أخرى من الفطيرة. وخلال عدة دقائق شعر الفتى بألم حاد في بطنه. من شدة الألم أطبق بقوة على أسنانه، سقط على الأرض ثم قام ومشى بإعياء حتى بلغ القرية إلى أن دخل إلى منزله. لم يستطع الشاب التحكم في نفسه وبدأ بالصراخ عاليا وكان يئن ويتلوى لأن الألم أشتد عليه لدرجة كبيرة: يا أماه إنني سوف أموت!

          أصاب الأمَ القلقُ فبادرت ابنها بالسؤال عما أكل وشرب. تحامل الفتى على نفسه وأخبر أمه بأنه كان جائعًا لأيام طويلة وفجأة، وبالقرب من القرية، صادف عجوزا فقيرا أعطاه فطيرة محلاة.

          ذعرت الأم عند سماعها هذه الكلمات، وبدأت بشد شعرها من اليأس. اتضح أنها أعطت العجوزَ البائسَ الفقيرَ فطيرةٌ متعفنة.

          أما العجوز فقد وصل إلى قرية أخرى وبدأ بمد يده ليستجدي الناس وكان يكرر دائمًا: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.

قصة من التراث الفيتنامي
حيةٌ ليس لها مثيلٌ

          عاش قديمًا في إحدى القرى رجل يحب التباهي كثيرًا.

          ذات مرة، عاد إلى المنزل وقال لزوجته:

          - لن تصدقي، أية حية صادفت اليوم في الغابة! إنها حية لم يصادف أن رآها شخص من قبل! عرضها عشرة أمتار وطولها ستون مترًا!

          قررت الزوجة أن تلقن زوجها، المتباهي بنفسه، درسًا قاسيًا. ابتسمت بارتياب وقالت له: هذا غير معقول!

          أجابها الزوج: - لا تصدقينني؟ إذن، من المحتمل أن طولها ستون مترًا.

          وأضاف قائلًا:

          - قد لا يكون الطول خمسين، لكن بالتأكيد أربعون مترًا!

          هزت الزوجة رأسها قائلة: لا، هذا أيضًا شيء لا يصدق.

          - يا لك من عنيدة! وإذا كان طول الحية ثلاثين مترًا؟ هل تصدقين؟

          - كلا لا أصدق.

          - وإن كان طولها عشرين مترًا؟

          - لا أصدق ذلك أيضًا.

          - حسنًا سأخبرك الحقيقة. كان طول الحية عشرة أمتار!

          لم تتمالك الزوجة نفسها فانفجرت في الضحك:

          - يا لها من حية! طولها عشرة أمتار وعرضها أيضًا عشرة أمتار؟ أي أنها مربعة! 

قصة من تراث شعب الإسكيمو
رحلةٌ كبرى.. لفأرٍ صغيرٍ

          ذات مرة، قرر فأرٌ صغيرٌ التجوالَ. طلب من جدته إعداده للسفر، وبدأ الرحلة في يوم مشمس هادئ. وسرعان ما وجد أمامة بحيرة كبيرة. تلفت الصغير حوله، ولكنه لم يرَ أحدًا بالجوار.

          تنهد الفأرُ قائلاً: ياللأسف، أنا جاهز لتحدي أيَّ كائن من كان. ثم عبر البحيرة سابحا، ونفض عن نفسه الماء وقال: - حتى الدلفين، على الأرجح، كان سيتعب بعد قطع هذه المسافة!

          أما البحيرة الكبيرة التي عبرها الفأر الصغير فكانت مجرد أثر قدم الجدة ممتلئًا بمياه الأمطار.

          عرج الفأر على طريق آخر وبعد قليل رأى جبلاً عاليًا. لم يكن هناك أحد من حوله فتكدر الفأر كثيرًا ثم قال: ياللأسف، ليس هناك غزلان في الجوار، كنت سأريهم، كيف يكون القفز!

          جرى الفأر بسرعة وبقفزة واحدة وثب من فوق الجبل.

          ثم قال: قفزةٌ جيدة! وكنت سأقول قفزة ماهرة!

          أما الجبل فقد كان مجرد كومة صغيرة من عشب جاف.

          تابع الفأر رحلته عدوًا وفجأة رأى اثنين من الدببة. كان الدبان يتعاركان بعنف. فبدأ الفأر بالصراخ: توقفا، توقفا حالًا عن هذا القتال، الذي سيؤدي إلى نتيجة وخيمة!

          لكن الدبين لم يستمعا الى الفأر، وعندئذ رمى بنفسه بين الدبين ليفرق بينهما.

          قال الفأر لهما: أنا شجاع وقوي جدًا، ابتعدا عن هذا المكان ولا تدعاني أراكما مرة أخرى في طريقي. ثم ابتعد الحيوانان. هذان الحيوانان كانا بقة غيط وذبابة.

          قال الفأر لنفسه: لربما هذا يكفي اليوم.

          ثم جرى مسرعا إلى المنزل.

          بدأ الفأر بالصراخ مباشرة من عند عتب الباب مخاطبًا جدته: - لقد رأيت الكثير والكثير جدًا ياجدتي!

          ثم بدأ يحكي لها ما صادفه من أحداث أثناء رحلته.

          تنهدت الجدة وقالت: يا لك من ولد ساذج.

 



تعريب: د. ناصر محمد الكندري   






غلاف هدية العدد