في الزمنِ البعيدِ خلفَ السهولِ، كانت تختفي غابةٌ غامضةٌ مليئةٌ بالأشجارِ، ولا تُسمع في هذه الغابةِ إلا مواء القططِ ميو.. ميو.. لأنه في هذه الغابةِ لا يسكن إلا القططُ، قططٌ بيضاءٌ وقططٌ سوداءٌ وأخرى مرقّطةٌ، قططٌ صغيرةٌ وأخرى كبيرةٌ. كل القططِ كانت متعاونةً، فالقطط الكبيرة تعتني بالصغيرةِ، وتحضر لها الطعام، وتعلّمها حسن السلوكِ، كانت القططُ تعيشُ بسعادةٍ في هذه الغابةِ وبنظامٍ رائعٍ، فقد قسّمت جدةُ القططِ الطعامَ بالتساوي، وقسّمت القطط بحسبِ عملها. فالمجموعةُ الأولى تحرسُ الغابةَ، والمجموعةُ الثانيةُ تعتني بالصغارِ، والمجموعةُ الثالثةُ مسئولةً عن الطعامِ.

          كانت حياتُهم جميلةً ومرحةً، وكانت جدةُ القططِ سعيدةً بأبنائِها وأحفادِها. في يومٍ من الأيامِ، وصلت للجدةِ رسالةٌ من إحدى قريباتها تدعوها للسفرِ، فقالت الجدةُ للقططِ: أعزائي يجب أن ألبّي دعوةَ قريبتي، سأوضب حاجاتي وأسافر لعدةِ أيامٍ وسأختار مَن سينظم العملَ في غيابي.

          اختارت الجدةُ ثلاثَ قطط من أبنائِها الكبارِ، القطةُ السوداءُ مسئولةً عن الحراسةِ، والقطةُ البيضاءُ مسئولةً عن الصغارِ، والقطةُ المنقطةُ مسئولةً عن الطعامِ.

          سافرت الجدةُ، وبقي نظام الغابةِ كما هو لعدةِ أيامٍ، والجميعُ كان سعيدًا بعملِهِ، قالت القطةُ السوداءُ للقططِ التي تعملُ معها لن أدع أحدًا يقتربُ من حدودِ غابَتنا وسأضاعف الحراسةَ حتى تأتي الجدةُ فتجدَ أنني أحسنتُ عملي، أريدكم أن تمنعوا الحركةَ ليلاً وتفتشوا الجميع.

          أما القطةُ البيضاءُ، فقالت للقططِ التي تعملُ معها: اعتنوا بالصغارِ جيدًا ولا تسمحوا لهم باللعبِ معًا حتى لا يتأذّى أحدٌ من الأطفالِ.

          أما القطةُ المرقطةُ فقالت: يجب ألا يخرج شيءٌ من مخازنِ الغذاءِ إلا وأوافق على خروجِهِ.

          تشدّدت القططُ في تنفيذِ ما عليها من واجباتٍ وتضايقت جميعُ القططِ.

          قالت قططُ الحراسةِ: لقد تعبنا من التفتيشِ ولم ننم منذ أيامٍ مو.. مو.

          وقالت القططُ الصغيرةُ: لم يسمح لنا باللعبِ منذ أيامٍ ميو.. ميو..

          وقالت القططُ جميعًا: لم نأكل جيدًا منذ أيامٍ ونشعرُ بجوعٍِ شديدٍ مياووووووووو.

          رويدًا.. رويدًا.. بدأت القططُ تختفي من الغابةِ للبحثِ عن الطعامِ وصارت القططُ المتبقيةُ تتقاتلُ فيما بينها للمحافظةِ على هذا النظامِ المعقدِ.

          انتهت أيامُ زيارة الجدةِ. رجعت الجدةُ للغابةِ لتجد غابةَ القطط وقد أصبحت خاليةً، ولم يبق إلا القليل من القططِ فقط، فحزنت الجدةُ جدًا، وقالت لأبنائها الثلاثة: لقد جعلتكم مسئولين عن القططِ لتساعدوهم وتحبّوهم كما أحببتهم أنا، ولتنظموا حياتَهم كما فعلت، لكنكم شددتم عليهم الخناق ولم تسمحوا لهم بعيشِ الحياةِ الطبيعيةِ. وبالرغم من نواياكم الحسنة، ستصبح غابة القطط قصةً تحكيها الجداتُ وستتوزع في أنحاءِ العالمِ، أما أنتم فستبقون في الغابةِ وحدكم لتديروا شئونكم في الغابةِ، ولتضعوا قوانينكم الخاصة، فقد انتهت مهمتي.

          وهكذا بقيت بعض القططِ في الغابةِ حتى الآن كالأسدِ والنمرِ والفهدِ وأنواع أخرى عدة، وبقيت القططُ الأخرى تسرحُ بين المنازل وصادقت الإنسانَ، وأصبحت رفيقته حتى يومِنا هذا، وصارت حكايةَ غابة القططِ سرًا من الأسرارِ.