العناكبُ والحيلُ التي لا تنتهي!

العناكبُ والحيلُ التي لا تنتهي!
        

رسوم: ماهر عبد القادر

          في الطبيعةِ الجميلةِ، نجد عالمًا نباتيًا كبيرًا، وأيضًا آلافَ المخلوقات البديعة، بعضها يزحف، وآخر يطير، وثالث يقفز.

          هناك في هذه الطبيعة الجميلة، نجد آلافَ الزهور تملأ السهل الرحب بين سفحي الجبل! بألوانها الزاهية، المتنوعة بين أبيض ناصع، وأحمر قانٍ، وبنفسج شفاف، وأسود زاهٍ، إنها لوحة أبدعتها يد الخالق سبحانه تعالى.

          وهاهي أسراب النحل البري الذي يتخذ من شقوق الجبل الصخري مساكن له، يأتي باحثًا عن الرحيق ليحوّله في بطنه إلى عسل، ثم يملأ به خلاياه الشمعية عندما يعود آخر النهار، ولكن هناك من العناكب ما يخطط ويدبّر كي يكون النحل طعامًا له، إنها العناكب، ذات الألوان المتعددة، والأحجام المختلفة.

العنكبوت النسّاجة

          في ركن بعيد، وبالقرب من سفح أحد الجبال، كانت الزهور المتفتحة؛ تنشر مزيجًا من الروائح الزكية، كان الجو صحوًا، وأشعة الشمس المتلألئة على أوراق النباتات الخضراء، تبرز ألوان الزهور الجميلة، مما جعل أسراب النحل تتجه إليها.

          وفي هدوء حذر، راحت أنثى العنكبوت تنسج شباكها المعتادة بين سيقان عدة زهور عالية، كانت خيوط الشباك رقيقة، داكنة اللون، لا تكاد تظهر بسبب ظلال الزهور والأوراق. وقفت العنكبوت تترقب نحلة غافلة أو ضعيفة، تسقط في شباكها، فتحركت العنكبوت بجسدها الصغير الأسود، الذي يقترب من حجم الذبابة، لتختفي بين الخيوط الداكنة.  وهذا ما حدث، حيث اقتربت نحلةٌ من شباك العنكبوت، كانت النحلة تطير حائرة بين الزهور، ويبدو أنها تعبت من حرارة الشمس، فآثرت أن تهبط قليلاً إلى الظل، وسرعان ما تعثرت عندما علقت قدمها في أحد خيوط العنكبوت، انتبهت النحلة إلى الأمر، فسعت إلى التخلص من الخيط في قدمها، ولكن أنثى العنكبوت تحركت من مخبئها، وأسرعت بلف المزيد من الخيوط الرمادية الغامقة حول جسد النحلة، التي تجاهد من دون فائدة في الفكاك، أفرغت العنكبوت النسّاجة السم في جسد النحلة، ليذيب ما في بطن النحلة من أحشاء، ثم راحت تجرّها كي تمتص عصارة جسد النحلة في تلذذ، فقد نجحت خطتها التي قضت الساعات تعدها، وتنسج خيوطها.

عنكبوت الشبكة الذهبية

          تحت سفح أحد جبال جزيرة السحلب التايوانية، انتصبت أشجار الغابة عالية، بعيدة عن السهل المتسع، حيث تلاصقت أغصان الأشجار، وتلاقت أوراقها الخضراء. كانت أنثى عنكبوت الشبكة الذهبية تسرع العمل في مد خيوط شبكتها التي تصل ما بين الأغصان، كانت الخيوط ذهبية اللون، جميلة التشكيل، مكونة دائرة قطرها يزيد على المتر، بخيوط متينة صعبة التمزق.

          كانت العنكبوت كبيرة الحجم، يشبه حجمها حجم كف الإنسان، كما أن ألوانها براقة زاهية، وهذا ما يجعل من الصعب عليها أن تتخفى، ففضلت العنكبوت أن تقف جامدة، صلبة في مكانها، بين الخيوط الذهبية، لأنها تدرك أن النحل، وهو طعامها المفضل، سيظنها زهرة من الزهور جميلة اللون، وسيأتي إليها كي يمتص رحيقها.

          وهذا ما حدث بالفعل، فقد رأت نحلة من بعيد ألوانًا جميلة لامعة، فأسرعت إليها، ظنت أنها زهرة كبيرة الحجم، فقد ظهرت في عيني النحلة كأنها نقاط مضيئة، محاطة بشرائط ملونة، بزخرفة بارعة، والغريب أن هذا الزخارف الملونة، تكسو جسد العنبكوت الأسود.

          عندما اقتربت النحلة، بانَ لها تفاصيل جسد العنكبوت، وظهر السواد واضحًا خلف الألوان المزخرفة، أدركت النحلة الخدعة، فأرادت الفكاك من عدوتها اللدود أنثى العنكبوت، ولكنها نسيت أن الزخارف التي رأتها من بعيد، كانت محاطة بشبكة خيوط ذهبية؛ جذبت أيضًا - نظر النحلة بتلألئها، وسرعان ما تعلقت النحلة بهذه الخيوط، فيما تحركت العنكبوت بسرعة نحو الفريسة المسكينة، كي تحيطها بأرجلها الثمانية، ومن ثم تمتص عصارتها وتترك بقايا جسدها.

          في الوقت نفسه، علقََ خفّاش في أحد الخيوط الذهبية، فتركته العنكبوت، فلا قدرة لها أمام جسده القوي، وبالفعل خرج الخفاش من الشبكة الذهبية، بعدما استطاع أن يتخلص من الخيط السميك.

          لقد لمح أحد الطيور هذه العنكبوت بألوانها الزاهية، فراح يقترب منها بهدوء، معدا خطة كي يضعها في فمه مرة واحدة، وحين انقض الطير ذو المنقار الصغير على جسد العنكبوت الشائك، فوجئ أن جلد جسد هذه العنكبوت عبارة عن قشرة صلبة صعبة القضم، وحين حرّك الطائر لسانه على الجسد، وجد أشواكًا ناتئة حادة على جانبي جسد العنكبوت، جرحت لسانه، وأذت أسنانه.

عنكبوت السرطان

          أرادت أنثى عنكبوت السرطان التي تعيش في غابات قارة أستراليا - أن تتقي شر أعدائها من الطيور التي تتربص بها، وأيضا تحصل على طعامها، إنها ذات جسد صغير يشبه جسد البعوضة، ولكنها ذات مقدرة على تغيير لون جسدها في الحال، إن  حيلتها بسيطة؛ أن تقف وسط الزهرة، ثم تغيّر لون جسمها إلى لون يشابه لون الزهرة، أو لون حبوب اللقاح في الزهرة. وتظل ثابتة في مكانها، حتى تأتي النحلة، منخدعة بها، وتكون نهاية النحلة بين أوراق الزهرة.

          فكما تدبر العناكب حيلاً كثيرة لتسقط فرائسها من النحل سريع الطيران، فإنها لا تدري أنها ستكون فريسة لطيور أو ضفادع أخرى.

 



إعداد: د. مصطفى عطية جمعة