النار والفراشات الشجاعة

النار والفراشات الشجاعة
        

رسوم: أشرف الأسدي

          لم تكن الفراشات على دراية بما سوف يحمله لها القدر..

          كانت تلعب في أنحاء البستان.. تتطاير هنا وهناك  بين الشجيرات الصغيرة.. تناغش ورود البستان الملونة.. وتلاعب الحشرات الصغيرة الأخرى.. وتداعب الأرانب الفرحانة في ذلك اليوم الربيعي الجميل.. وكانت تتراقص فوق ساقية الماء التي تضفي بخريرها الخفيف على الربيع نفحة جمال إضافة إلى جماله.

          وفجأة.. اندلعت نار لم يعرف أحد ما الذي سببّها على أطراف ذلك البستان.. وحين بدأت النار تمتد إلى الداخل هرب الجميع.. جميع الحشرات والطيور والحيوانات الصغيرة لتختبئ على الطرف الثاني من ساقية الماء لكي لا تصلها تلك النار.. باستثناء «زيز صغير» علق بين الأشواك وهو يحاول الهرب.. وبدأ يطلق استغاثاته:

          «وزز.. وزززز.. ساعدوني».

          لم يسمع أحد استغاثاته بسبب الفوضى التي شكلها هروبهم.. لكن أبا الفراشات كان أثناء طيرانه هاربًا يتلفت هنا وهناك ليطمئن على الجميع.. فوقع بصره على الزيز الصغير العالق وسط الأشواك.. ووسط دهشة الجميع.. طار أبو الفراشات عائدًا لكي ينقذه من النار التي كانت تكاد تصل إليه..

          استجمع أبو الفراشات كل شجاعته وقواه ليسحب الزيز الصغير من بين الأشواك.. واستطاع فعل ذلك بعد جهد كبير لكن الأشواك جرحت جناحيه الرقيقين ولسعت النار أرجله الناعمة فسقط على الأرض..

          كان الزيز الصغير خائفًا جدًا.. ومع ذلك حاول أن يساعد أبا الفراشات.. لكن أبا الفراشات طلب منه أن يسرع في الابتعاد لكي ينجو بحياته..

          لم يعبأ أبو الفراشات بالنار التي كانت تقترب منه.. فقد كان سعيدًا جدًا لأنه استطاع إنقاذ الزيز الصغير..

          هدأت النار بعد فترة قصيرة.. لكن أبا الفراشات لم يستطع النجاة..

          شاهد الجميع ذلك العمل البطولي الذي قام به أبو الفراشات وهم مندهشون من شجاعته.. فقد ضحى بنفسه في سبيل إنقاذ الزيز الصغير..

          حزنت الفراشات وبكت كثيرًا لفقدان أبيها.. ثم قررت أن تكافئ أباها على تضحيته.. وعقدت اجتماعًا فيما بينها.. وطلبت أكبر الفراشات من كل واحدة أن تفكر فيما يجب فعله لكي تحيي ذكرى أبيها.. وذكرى تضحيته..

          قالت إحداهن:

          سنصنع له تمثالاً.

          وقالت واحدة أخرى إن على الفراشات أن تؤلف أغنية تصف شجاعة أبيها وتضحيته ليغنيها الجميع دائمًا..

          ظلت الفراشات تتناقش فيما عليها فعله إلى أن وقفت فراشة شابة وقالت:

          يا أخواتي.. لكي تبقى ذكرى أبينا حية بيننا.. يجب علينا أن نقتدي به . ونعمل دائما على إطفاء أي نار نشاهدها لكي لا تتعرض أية حشرة صغيرة للأذى.. حتى لو وصل الأمر إلى التضحية بأنفسنا.

          تحمست الفراشات كثيرًا لهذه الفكرة وقالت بصوت واحد:

          وهكذا سيتذكر كل مَن يرانا ما فعله أبونا.. وسيتذكرون شجاعته وتضحيته..

          ثم قطعت الفراشات عهدا على نفسها بألا تترك أي نار تراها من دون أن تحاول إطفاءها كي لا يتأذى أحد..

          ومنذ ذلك اليوم.. مازالت الفراشات تنقض بشجاعة على النيران لكي تطفئها إكرامًا لتضحية أبيها.. وتخليدًا لذكراه..

          ويحكى أن بصر الفراشات قد ضعف كثيرًا بسبب تعرضها للكثير من لسعات هذه النيران.. لذلك فقد أصبحت أيضا تنقض بشجاعتها المعروفة على أي ضوء تشاهده.. وهي تظن أنه نار ستؤذي إحدى رفيقاتها الحشرات..

 



فؤاد عمران