في القرون الوسطى كان في إحدى مقاطعات النرويج حاكم عادل، رفيع الخلق
والثقافة يدعى «هاكون»، جعل من منطقته مثالاً في الرقي والأمن والرخاء.
وكان لهذا الحاكم ولد وحيد اسمه «كوستاف» قبيح الوجه، قصير القامة،
جاحظ العينين، قليل الذكاء، تربى على دلال أمه. ففيما كان الحاكم صارمًا في تربيته
كانت امرأته مستضعفة، تجاهه، لا ترد له طلبًا وتخفي عن زوجها سوء تصرف ابنهما،
وكثيرًا ما قال لها زوجها إن «كوستاف» سيخلفني في الحكم بعد موتي، فإن لم يحسن
سلوكه ويتحمل مسئولياته، فقد ثقة الشعب به، وأفسد أحوال المقاطعة، وقاد الشعب إلى
الهلاك. وحاول الحاكم أن يقوّم اعوجاج ابنه فلم يفلح، ومات بحسرته.
لما تولى «كوستاف» الحكم قرَّب إليه أصدقاءه، وعينهم في المناصب
العليا وهم لا يستحقونها، وكان هؤلاء يتسابقون في التزلف إليه لاستدرار عطفه. وما
كانت امرأته لتجرؤ على التدخل في شئونه، فتكتفي بالسهر على ابنتها «هورتنس» وهي في
السادسة من عمرها وعلى طفلها في عامه الأول.
ذات يوم دخلت «هورتنس» خلسة إلى الدار فسمعت ما كان يدور فيها من
أحاديث. هذا يقول لأبيها: ما أجمل وجهك وإنه مشرق كالبدر في حلكة الليل! وذاك يؤكد
له أنه عبقري زمانه، وذلك يتغنى بقامته الرشيقة وجاذبية عينيه.
روت «هورتنس» لأمها ما سمعت وسألتها هل أن أباها حقا رشيق القد، رائع
الشكل.. و.. و.. إلخ؟
ضحكت أمها وقالت: ما رأيك أنت؟
أجابت الفتاة: لو أنه لم يكن أبي لما وجدته جميلاً ولا رشيقًا ولا حتى
ذكيًا!
قالت الأم: إن أباكِ، يا بنيتي، أسكره المديح فعاد لا يفهم لغة
العقل.
فكرت «هورتنس» في أثناء الليل بطريقة ما تعيد أباها إلى صوابه. فبعدما
عقد مجلسه في الصباح وخلت الدار من الناس مضت إلى أبيها حاملة بيدها مرآة وقالت
له:
يا أبي، يا حبيبي، إن هذه المرآة أصدق من أقوال جميع هؤلاء الناس
الذين يشوهون الحقيقة، فتطلع في المرآة ثم تطلع إليها هي، ولم ينبس بكلمة. وفي الغد
اعتزل الناس وأعاد النظر في حاشيته فأبعد المتزلفين الكذابين وقرب إليه الحكماء من
رفاق أبيه فاستقام الحكم وعاد الرخاء إلى المقاطعة.