الولدُ والريحُ

الولدُ والريحُ
        

رسوم: ريما الكوسا

          خرج الولدُ من محل الحلاقة سعيدًا، لأنه حظي بقصة شعر أعجبته كثيرًا وقرر أن يريها لأصدقائه، تطايرت خصلات شعره يمينًا ويسارًا بسبب هبوب الريح، فأسف وهو يثبت شعره بيديه أنه لم يُحضِر قبعته القديمة ليُثبت التسريحة التي بدأت الريحُ تعبث بها، تضايق الولد وتمنى لو أن الريح تتوقف ولو قليلاً حتى يصل إلى أصدقائه فيفاجئهم بقَصَّة الموسم التي سينظرون إليها بإعجاب كبير، وسيطلبون من أهاليهم إرسالهم إلى الحلاق الماهر الذي قصها له.

          استمرت الريح في الهبوب ولم تتوقف لحظة فهمس لنفسه: لو أستطيع منع الريح من الهبوب وحجزها في مكان ما، ربما في جحر، أو في فجوة في جذع شجرة أو ربما في عمق جرة، أو.. !

          تذكر الولد أنه خبأ بالونا في جيبه فأخرجه وفتح فوهته باتجاه مهب الريح وراح يجري ويجري، امتلأ البالون بالريح واتسع وراح يرتفع إلى الأعلى والأعلى حتى أصبح كمنطاد وهو متشبث به.

          تمتم الولد فرحًا وهو يحلق عاليا مع البالون: الآن يمكن لكل الناس أن يروا تسريحتي العجيبة وسيشكرني الحلاق كثيرًا لأنني عرَّفتُ الناس أن في البلدة حلاقًا ماهرًا مثله!

          حَلَّقَ الولد عاليًا حتى وصل إلى الغيوم البيضاء المتناثرة على صفحة السماء، كانت الغيوم بعيدة بعضها عن بعض ثابتة في مكانها لا تتحرك، حينها هتفت غيمة صغيرة قائلة له: أيها الولد المحلِّق في السماء، إذا رأيت الريح في الأعالي، فاطلب منها الهبوب بسرعة!.. سأل الولد: ولماذا أيتها الغيمة؟ ردت الغيمة: أريد الاقتراب من أخواتي الغيمات لنلعب ونمرح معا، الريح تدفعنا، تحركنا نحو بعضنا بعضًا وحين نلتقي نصطدم ، نبتسم فيهطل المطر.

          ابتسم الولد وحَرَّر قليلاً من هواء الريح في الأجواء فتحركت الغيمات بعضها نحو بعض سعيدة، هتف الولد وقد هبط به البالون إلى الأسفل قليلا: لا تبتسمن الآن أيتها الغيمات حتى لا تمطرن وتبتل تسريحتي!

          اقترب الولد في هبوطه من بعض المرتفعات العالية والأشجار الباسقة ورأى حماما وطيرا كثيرا زاهي الألوان، هتف أحد الطيور للولد: أيها الولد الـمُحلِّق في الأعالي إذا رأيت الريح، فأخبرها أن الطيور تنتظر هبوبها.. سأل الولد: وما حاجتكم إلى الريح ؟ ألا تخشون أن تطيح بأعشاشكم؟!

          رد الطير: الريح صديقتنا، تساعدنا على الطيران لنمرح ونُحضر الطعام أو نسافر بعيدا في بلاد الدنيا، كما تسافر أنت الآن مع هذا المنطاد!.

          ابتسم الولد وحَرَّر شيئا من هواء الريح فانخفض البالون قليلاً وحلق به فوق ساحة البلدة، حينها رأى الأولاد والبنات يطوون طائراتهم الورقية ويلفون الخيوط لأن الريح خذلتهم ولم تهب ولم يقضوا وقتًا سعيدًا في إجازتهم، ابتسم الولد وحَرَّر قليلا من هواء الريح، شعر الأولاد والبنات بالهبوب وتقلبت طائراتهم على الأرض، فأسرعوا لتطيير الطائرات وعادوا للمرح والسرور، انخفض الولد في تحليقه نحو ساحل البحر ورأى الصياد يجلس حزينا فسأله: لماذا أنت حزين أيها الصياد؟.. رد الصياد: الريح لم تهب، ومركبي لا يتحرك مبتعدا عن الشاطئ.

          سأل الولد: وما حاجتك للريح ولديك الشراع؟ رد الصياد: الريح تُحرِّك شراع مركبي فيسير، وتُحرّك الأمواج فأصطاد الخير الوفير..، ابتسم الولد وحرَّر قليلا من هواء الريح فخفق شراع المركب وتلاحقت الأمواج، أخذ الولد يحرر شيئًا فشيئًا الريح حتى هبط بسلام على الأرض وراح يسرع في خطواته ليرى أصحابه قَصَّة شعره، وفي طريقه رأى الغيوم المتشابكة تزين صفحة السماء، والطيور محلقة في الأعالي وطائرات الأولاد والبنات الملونة تتقلب في الأجواء، رأى الورود تتمايل على أغصانها، ابتسم الولد وراح يجري ويجري فاتحا ذراعيه للريح وخصلات شعره تتطاير يمينا ويسارا.

 



قصة: لطيفة بطي